والجواب منع المقدّمة الثانية ، وما ذكر لها من الوجه العقلي ففيه أوّلًا تأليف الأصوات وإن كان لها أثر في حسن النغمة وقبحها لكن لا ينحصر جهتها فيها ، بل الصوت في نفسه وجوهره مع قطع النّظر عن كيفية تأليف أجزائه أيضاً ينقسم إلى الحَسَن والقبيح ، وحسن صوت الهزار وقبح صوت الحمار من هذا الباب . ومنه أيضاً اختلاف أصوات أفراد الإنسان فيها في أصل الخلقة ، وهذا المعنى هو المراد في قولنا : فلان حَسَن الصوت وفلان كريهه ، ولولا ذلك لاستوى صوت قرع عنيف في الغاية وطنين الأواني الطينية في الجودة والرداءة ، وهو كما ترى . وكون الموسيقى باحثاً عن أحوال تأليف الأصوات كافلًا لبيان مناسبة الأجزاء منها وغيرها مسلَّم ، لكنّه لا يوجب انحصار منشأ حسنها وقبحها في كيفية تأليفها كما لا يخفى . وكذا ما بيّن فيه من أنّ النغمات إذا كانت متناسبة تكون حسنة وإن كانت غير متناسبة كانت قبيحةً ، وإن لم تتّصف بالتناسب والعدم لم تتصّف بالحسن والقبح بل بالحدّة ومقابلها ؛ لأنّ المراد به عدم انحصار كيفية تأليفها في الجيّدة والرديّة ، ووجود الواسطة هي الكيفية العارية عن كلٍ من الجودة والرداءة ، وينسحب ذلك في نفس جوهر الصوت ، حيث لا يمتنع خلوّه عن كلٍ من الحسن والقبح بل لعلّ أكثر الأصوات غير موصوف بشيءٍ منهما . فانقدح ممّا ذكرنا أنّ كلا من حسن الصوت وقبحه على قسمين : ذاتي وعارضي من جهة التأليف ، والنسبة بين قسمي الحسن وقسمي القبح بل وبين ذاتي أحدهما وعرضي الآخر هو العموم من وجه ، ولا يخفى أنّ الذي يؤثّر في النفس ليس في الغالب إلَّا ما اجتمع فيه الحُسْنان وقد يؤثّر فيها صوت بكمال حسنه الذاتي كأصوات الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، ولا يستحيل أن يؤثّر فيها صوت بكمال حسن التأليف وإن لم يتّصف في جوهره بالحسن . فإن قلت : قد ورد في بعض تلك الأخبار الأمر بتحسين الصوت بالقرآن والأمر بحسنه الذاتي غير معقول لعدم تعلَّق القدرة به ؛ فإنّ الحسن الصوت خلقة