فسمعنا صوتاً حزيناً يقرأ بالعبرانية فبكينا حيث سمعنا الصوت ، وظننّا أنّه بعث إلى رجل من أهل الكتاب يَسْتَقْرئه ُ ، فأذن لنا ، فدخلنا عليه عليه السلام فلم نَرَ عنده أحداً ، فقلنا له : أصلحك الله سمعنا صوتاً بالعبرانية فظننّا أنّك بعثتَ إلى رجل من أهل الكتاب تَسْتَقْرِئه قال : لا ، ولكن ذكرتُ مناجاة إيليا لربِّه فبكيتُ [1] . الحديث . والجواب منع توقف التحزين على الغناء [2] ؛ فإنّ الصوت ربّما يكون في المحاورات حزيناً وليس فيه ترجيع ولا تطريب بل ولا تحسين كأصوات المرضى وأرباب الابتلاء والمهمومين ، وذلك لأنّ الصوت الحزين صوت يُنبىء بخصوص كيفيته عن حزن المتصوِّت ، وكثيراً ما يتأثّر السامعُ فيصيبه حزن إذا سمعه نظير التأثّر ببكاء الغير ؛ إذ قلّ من لم يرقَّ قلبُه ببكاء الغير ، سيّما الناشئ عن الحزن الشديد ، ألا ترى أنّه لو أخذتْ ثكلى في الندبة والبكاء بين خلق كثيرٍ لبكوا ببكائها إلَّا من قسا قلبه . قال الجوهري : « فلان يقرأ بالتحزين : إذا أرقّ صوته به » . [3] وفي القاموس : « هو يقرأ بالتحزين : يرقِّق صوته » [4] . وهما صريحان في أنّ التحزين في القراءة ترقيق الصوت بها ، وهو أمر وراء الغناء ، فقد يفترقان وقد يجتمعان . ففيهما إشارة إلى أنّ الكيفيّة الخاصّة المعتبرة في الصوت الحزين هي الرقّة . وفيه نظر ؛ لأنّه ربما يكون الصوت رقيقاً ولا حزنَ فيه لكنّ الأغلب فيهما عدم الانفكاك ، ولعلّ نظرهما إليه . ومنها أنّه قد وردتْ أخبار كثيرة مفيدة لكون الصوت الحسن مرضيّاً عند الله تعالى مثل ما دلّ على أنّ الله يحبّ الصوت الحسن المرجّع بالقرآن ترجيعاً ، أو
[1] بحار الأنوار ، ج 26 ، ص 180 ، وفيه « إليا » مكان « إيليا » . [2] ويمكن الجواب أيضاً بإرسال الأوّل وضعف البواقي واختصاص الأخيرين بغير القرآن وبأنّها على تقدير دلالتها غير مكافئة لأدلَّة التحريم من وجوه وغير صديدة . ( منه ) . [3] الصحاح ، ص 2098 ، « حزن » . [4] القاموس ، ص 1535 ، « حزن » .