وأمّا الإشكال بمعارضة المستفيضة برواية أبي بصير فالخطب فيه سهل ؛ نظراً إلى ضعفها سنداً بعلي بن أبي حمزة الظَّاهر هنا في ابن البطائني لوجود الواسطة بينه وبين أبي جعفر عليه السلام ، بل ودلالةً من جهة أنّ التّناسب المعنوي وإن اقتضى عود البارز المرفوع إلى تحريم كسب المغنّيات اللَّاتي يدخل عليهنّ الرّجال لكن القرب اللفظي يقتضي العود إلى نفي البأس عن كسب التي تُدعى إلى الأعراس . نعم لمّا كان العود إليه غير مستقيمة من جهة المعنى لم يكن بدٌّ من رجوعه إلى الأوّل وإن لم يخلُ عن شيءٍ ، مضافاً إلى انتفاء التكافؤ وإن كانت في أعلى درجات الصحّة وقوّة الدّلالة . وبما ذكرنا ينقدح اندفاع الاعتراض بمعارضته مرسلة أبي الجارود [1] وقول
[1] وتفصيل الكلام فيها أنّ هذه المرسلة مروية في تفسير علي بن إبراهيم ويظهر من كلام المحقق الأردبيلي أعلى الله مقامه أنّ له تأملًا في كونه مؤلفه حيث يعبّر عنه بالتفسير المنسوب إليه وإن كان الظاهر جداً بل المسلم عند الجل أنّه منه رحمه الله وربّما يستنبط منه أنّ اعتماده على أنّ المراد من لهو الحديث الغناء وشرب الخمر وجميع الملاهي لا ما رواه أبو الجارود وذلك يوجب وهناً في الرواية . مضافاً إلى الارسال وفساد مذهب أبي الجارود وهو زياد بن منذر الهمداني الخارقي أو الخُرقي الكوفي الأعمى الزيدي كان من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وروى عن الصادق عليه السلام فلما خرج زيد رضي الله عنه صار زيدياً وروى عن زيدٍ ، وإليه تنسب الجاروديّة من الزيديّة وسمّاه أبو جعفر عليه السلام سُرْحُوباً وهو اسم شيطانٍ أعمى يسكن البحر فلذا يسمى الزيدية المنسوبة إليه بالسرحوبية . قال الكشي رحمه الله : « كان أبو الجارود مكفوفاً أعمى أعمى القلب » ثمّ روى في ذمه روايات يتضمّن بعضها اللعن عليه والحكم بكون كذّاباً مكذِّباً كافراً . وقال العلامة رحمه الله : « مذموم لا شبهة في ذمه » على أنّ التعارض بينها وبين المستفيضة غير ظاهر لجواز أن يكون الوعيد من جهة تغني النضر بأشعار الناس لا مجرّد كونه راوية لأحاديث الناس وأشعارهم مع أنّ عدم مقاومتها ، وإن سلمت عن جميع ما ذكرنا للمستفيضة ، واضح جدّاً والمحكي في الكشاف والجوامع عن مجهول أنّها نزلت في النضر وكان يشتري كتب الأعاجم ويحدث بها قريشاً ليشتغلوا بها عن استماع القرآن ، لا ينافي أيضاً كون الوعيد فيها على التغنّي لجواز كون تحديث النضر بها على وجه التغني وكذا المحكي في الكشاف عن مجهول آخر بل عدم تنافيه أظهر وكون محلّ نزول الآية مشتملًا على خصوصيات لا تقيد إطلاقها بها أو لا تخصّص عمومها بها ومع تسليم التنافي فلا حجة فيها ومع الحجّية فلا يُقاومان المستفيضة . ( منه رحمه الله ) .