بل وخلاف الفاضلين القاسانيين [1] نوّر الله مرقديهما أيضاً في خصوص المقام غير معلوم بل ولا ظاهر ، بل ربما يستفاد من بعض كلماتهما الموافقة فيه : فقد قال الأوّل في ذيل كلامه في الوافي : وبالجملة لا يخفى على ذوي الحِجى بعد سماع هذه الأخبار تمييز حقِّ الغناء من باطله ، وأنّ كثيراً ممّا يتغنّي به المتصوِّفة في محافلهم من قبيل الباطل . [2] والثاني [3] في موضع من رسالته المعمولة في الغناء : فظهر حقّ الظَّهور ممّا ذكرنا وقرّرنا مراراً أنّ مرادَهم عليهم السلام من الغناء الذي نهوا عنه هو الأصوات المُلْهية التي يتصوّف بها الفسّاق . ولمّا كانت هذه في ضمن الكلمات الملهية كما هو شائع في زماننا هذا إذ لا تخلو الأزمنة عنهم وعن مقتضى طباعهم عبّروا عليهم السلام بلهو الحديث ، وقول الزّور [4] انتهى . وهذه الموافقة المستفادة من كلاميهما هذين وإن كانت في بادىء الرأي مخالفة لما تقدّم [5] منهما لكن بملاحظتها والتأمّل يظهر أنّهما يخصّان التحريم بما فيه محذور شرعي أو مفسدة حتّى الإلهاء عمّا يَعْني ويهمّ ويهيّج شهوات النّفس كما هو المفروض فيما نحن فيه ، فلا تناقض ، بل والآية الأولى بمعونة الأخبار الكثيرة المتقدمة المفسّرة لقول الزّور المأمور فيها بالاجتناب عنه بالغناء مطلقاً ، وقد عرفت أنّه حقيقة في الصّوت المرجّع المطرب وبلوغ شيوع المقرون منه بالمعاصي في أزمنتهم عليهم السلام حدّاً انصرف إليه المطلق غير ثابت ، وكون التغنّي غالباً بما لا طائل
[1] الفيض والماجد طاب ثراهما . ( منه ) . [2] الوافي ، ج 17 ، ص 223222 . [3] في الهامش : « وهو السيد الماجد » . [4] إيقاظ النائمين وإيعاظ الجاهلين ، المطبوعة في هذه المجموعة . [5] من العبارة الصريحة في إباحة نفس الغناء . ( منه ) .