يعاضدُ كلامه تصريح أهل اللغة من العامة والخاصّة بموافقته ، قال الجزري في النهاية : في حديث القرآن « من لم يَتَغَنَّ بالقرآن فليس منّا » أي من لم يسْتَغْنِ به عن غيره . يقال : تَغَنَّيْتُ وتغانَيتُ واستغنيتُ . وقيل : أراد من لم يَجْهَرْ بالقراءة فليس منّا . وقد جاء مفسَّراً في حديث آخر : « ما أذن الله ُ لشيء كإذْنه ِ لنبيّ يَتَغَنَّى بالقرآن يَجْهَرُ به » . قيل : إنّ قوله « يَجْهَرُ به » تفسير لقوله : « يَتَغَنَّى به » . وقال الشافعي : معناه تحسينُ القراءة وترقيقُها . ويشهد له الحديث الآخر « زَيِّنُوا القرآنَ بأصواتِكم » وكلّ مَن رَفَعَ صَوْتَه ُ ووالاه ُ ، فصوته عند العرب غناء . قال ابن الأعرابيّ : كانت العرب يَتَغَنّى بالرُكْباني إذا رَكِبَتْ وإذا جَلَسَتْ في الأفْنِيَةِ وعلى أكثر أحوالها . فلمّا نَزَلَ القرآنُ أحَبَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أن تكونَ هِجِّيراهُم بالقرآن مكانَ التَغَنِي بالرُكْبانيّ . وأوّل من قرأ بالألحان عُبَيْدُ الله بن أبي بَكْرَة ، فَورِثَه عنه عُبَيْد الله ابن عمر ، ولذلك يقال : قراءة العُمَريّ . وأخَذَ ذلك عنه سَعيد العَلَّاف . [1] انتهى كلام النهاية . وهذا الأخير معنىً مليح في تأويل الخبر ، فيكون المراد بالتغنّي اشتغال النفس بقراءته في مقابل تغنّي أرباب اللهو والمعاصي بالغناء من باب مجاز المشاكلة وإن لم يكن غناءً حقيقةً كما قيل : « تحدّثوا بالقرآن وتجالسوا به » وكما وَرَدَ في نوادر العلل من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « نِعْمَ اللهوُ المغزل للمرأة الصالحة » [2] وفي
[1] النهاية ، ج 3 ، ص 391 « غني » . [2] علل الشرائع ، ج 2 ، ص 583 ، ب 385 : نوادر العلل ، ح 23 .