تحصُل للمريد ملازمة سَماع الغناء وزَعَموا أنّ استماع المعارف والكلمات الحقّة من القرآن وما قيل من التوحيد وغيرهما نظماً ونثراً مقترناً بالصوت الحسن والترجيع ، يوجب الشوق إلى العمل ولقاء الله والحُزن والدَمع ؛ وحَسبوا أنّ الألحان والأصوات الطيّبة ممّا يُعين على الرياضات والمجاهدات ، فهذا وما شابَهَه دلّ على أنّ قراءة القرآن والأذكار والدعوات والأشعار المشتملة على الحكمة والموعظة الحسنةِ المقترنةِ بالنغمات والأصوات الطيّبة المذكِّرة للآخرة المهيّجة للأشواق إلى العالم الأعلى غناء فهو معلومة حقيقته عندهم وعند غيرهم ، حلَّلوه أو حَرَّموه فإنّ الغناء إن كان هو الترجيع ، فهو صادق على مثل ذلك وإن كان راجعاً إلى العرف فيُستفاد كون هذا غِناءً من العرف فإنْ قَبِلوا العرف فقد اعترفوا أنّه الغِناء وإن رَجعوا إلى الترجيع ، فكونه كذلك بديهيٌّ ، فلا مَفرَّ لهم من القول بكونه غِناءً ؛ فأمثال هذا التعلُّل بعد القول بتحريمه حيث ما صدق ، عدا ما استثنى وليس هذا منه لا يجديهم نَفعاً . ثمّ قال : وقد سمعتَ أيضاً كلام السيّد المرتضى وهو كالصريح في المدّعى وممّا يؤيّد ما ذكرناه استمرار البحث بين علماء العامّة في سَماع الصوفيّة وما يقرؤونه بالنَغَمات والأصوات الحسنة في أوقات الأذكار وغيرها ؛ فطائفة ينكرونه استناداً إلى ما رَوَوْا من الأخبار والآثار الدالَّة على منع الغِناء ؛ وطائفة يُبيحونه ويُجيبون عن حُجَج الطائفة الأولى بارتكاب التخصيص في تلك الأخبار وادّعاء الاستثناء بحُجَجٍ ضعيفةٍ يستندون إليها ولا ينكرون كون ذلك غناءً مع كونهم من أهل المعرفة باللسان ، وظاهر أنّ ما يقرؤونه في تلك الحالات إنّما يكون من الأذكار المسجّعة والأشعار الدالَّة على الموعظة وأشياء من هذا القبيل وحكاية البحث من الجانبين مذكورة في