ما ذكره بعد ذلك في كتابه الكفاية تَجِد اختلاطاتٍ عجيبةً واختلافاتٍ غريبةً ، ليست ممّا يوجبه تجدّد رأي المجتهد ، بل لا وجه له سِوى موافقة الهوى ومخالفة الحُجَج ؛ فَنَعُوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، ثمّ قال : وعن السادس أنّه لا دلالة في الرواية على خلاف المدَّعى إذ يجوز أن يكون المراد : اقرؤوا القرآن متلبّساً بالحُزْن بأنْ تكونوا محزونين في حال قِراءتِه ، وأمّا ما رواه سعد بن أبي وقّاص عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : مَنْ لَمْ يَتَغَنّ بالقرآن فليس منّا ؛ فرواية عامية لا تصلح للاحتجاج مع أنّ العامّة ذكروا في تفسيرها وجوهاً متعدِّدةً غير الحَمل على الغناء وحَمْلها على معنى الغناء لا يخلو عن بُعْدٍ كما سيجيء في كلام أبي عُبَيد . وأمّا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « زيّنوا القرآن بأصواتِكُم » فَمن طريق العامّة ، لا يصلح للاحتجاج معه ، مع أنّه ذَكَر الخطَّابي وهو المقدّم المعتبر جدّاً عند العامّة : أنّ الصحيح في الرواية : « زَيّنوا أصواتَكُمْ بالقرآن » ونُقِل عن بعض السلف النهي عن تقديم القرآن [1] وذكر في تفسير رواية التقديم أنّ معناه زيّنوا أصواتكم بالقرآن ، قال : هكذا فسَّره غير واحدٍ من أئمّة الحديث وزَعموا أنّه من باب المقلوب وذكر بعض الشواهد عليه ؛ وقال ابن الأثير في النهاية بعد نقل الرواية المذكورة : « قيل هو من باب المقلوب أي زَيّنوا أصواتكم بالقرآن . والمعنى : الْهَجوا بقراءَتِه وتزيَّنوا به وليس ذلك على تطريب القول والتحزين كقوله : « ليس منّا مَن لم يَتَغنّ بالقرآن » أي يلهج بتلاوته كما يلهج سائر الناس بالغناء والطَرَب . هكذا قال
[1] أي تقديم لفظ « القرآن » في الرواية على « أصواتكم »