وعن الرابع بعد الإغماض عن طريقها وكونها مرسلةً أنّه يجوز أن يكونَ المرادُ بقوله : « لَها صوت » أنّ لها صوتاً يُمْكِنُها قِراءَة القرآن وغيرها ممّا يذكَّر الآخرة لا اقتدارُها على الغناء ؛ وعلى هذا حَمَلها ابن بابويه . أقول : قد سَلَفَت هذه الرواية ، وما ذكره ابن بابويه في تأويلها وفي المراد منها وما فَهِمه منه القاساني وهذا الفاضل وما ذكرناه هناك مفصّلًا فَتَذكَّر . وليت شعري إذا كان هذا مراد ابن بابويه فكيف استفاد منه تَبَعاً للآخرين أنّ مدَّ الصَوت وترجيعَه بِقراءة القرآن والدَعَوات والأذكار ليس بغناءٍ ولا محظورَ فيه ؟ وأنّه يُعطي أنّ بناء الحِلّ والحرمة على ما يتغنّى به وعلى هذا فلا بأس بِسَماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار ووَصْف نِعَم الله الملك الجبّار فانظُروا يا أولى الأبصار إلى تَلَوُّنات هؤلاء الأخيار الأبرار . ثمّ قال : ويجوز أن تكون يعني رواية ابن بابويه محمولةً على التقيّة لأنّ تظاهر مُلوك بني اميّة وبني العباس باستماع الأغاني والألحانِ واتّخاذ الجواري القيان ممّا لا يكاد يخفى على أحدٍ ، وهو الجواب عن الخامس مع أنّه ضعيف السند جدّاً . أقول : هذا حقّ لِما سَبَق من ضَعفِ البطائني قائد أبي بصير وهو من رجاله ، وأمّا ما ذكره في كتاب الكفاية [1] بقوله : « وفي رواية أخرى لا تخلو عن قوّةٍ عن أبي بصير » فهو باطل تدليس أو من مقولة « حُبُّك الشيء يُعمي ويُصمّ » وهذا وأمثالُه ممّا يُوهن الاعتماد على كُتُبه ، ويرفَع الوُثوق عن فتاويه ، فإنّه مع سَبقِ عِلْمه بهذا لَمّا مال إلى القَول بإباحة الغناء ، قوّاه في الكفاية ، ثمّ استدلّ به عليها في غير موضعٍ ، وأنت بعد تأمُّلك فيما ذَكَره في مواضعَ من رسالته هذه و