الذي هو مادّة النطق أو ما كان فيه تناسب بحسب المبدأ والمقطع . وعن أبي نصر أنّه كان يقول : « كلُّ صوتٍ داخل تحت الصناعة الموسيقيّة ، وَحشيّاً كان الصوت أم إنسيّاً ، حتّى صوت اصطكاكة أغصان الأشجار ، واصطلامة أجسام الأحجار » . [1] وعن بعض حكماء اليونان أنّه كان يخصّ الموسيقى بنوع الإنسان وكان يقول : « إنّ فيهم مَنْ ليس في صوته مرغولة » . وبالجملة الأظهر في تعريفه ما نقلناه عن العلَّامة لَمّا قاله من العَمَل بالدوران فإنّ مطلق الأصوات لا يسمى غناءً ، واستماعه لا حُرمة فيه بل ما يوجب الطَرَب الموجب للَّذّة واللهو وإلى هذا أشار المحقّق الثاني الشيخ علي في شرحه على القواعد بقوله : « وليس مطلق مَدّ الصوت محرّماً وإن مالت القلوب إليه ، ما لم ينته إلى حيث يكون مطرِباً بسبب اشتماله على الترجيع المقتضي لذلك » . [2] ويمكن حمل ما قاله الشيخ من الرجوع فيه إلى العرف على ذلك لكنّه بعيد ، كيف لا ، وقد سَبَق منه أنّ الغِناء ما سُمّي في العرف غناءً وإن لم يُطْرِب ، فَلَم يعتبر في معناه العرفي الطَرَب ولا اللذّة واللهو بل اكتفى فيه بمتفاهَم العرف . وعلى ما ذهبنا إليه ، فمَن عرف الغناء فَليَجْتَنِبْ عنه بينه وبين الله ، ومن لم يعرِفْه فَليَرجع وقت السَماع إلى وجدانه فإن أورث فيه الطَرَب الموجب للَّذّة واللهو ، وإلَّا فلا فرق بينه وبين نهيق الحمار ونعيق الغراب إلَّا أنّه فرض نادرة الأفراد ، لا يتحقّق إلَّا فيمن خرج عن حدِّ الاعتدال اللائق بالشخص الإنساني كما قيل : « من لم يستلذَّ بوجه ٍ صَبيح وصَوتٍ مَليح ، فهو فاسدُ المزاج ويحتاج إلى العلاج » هذا .
[1] انظر : الموسيقى الكبير ، ص 47 ، المقالة الأولى من المدخل إلى صناعة الموسيقى ؛ الموسيقى ، ص 1716 . [2] جامع المقاصد ، ج 4 ، ص 23 .