يُفهم من هذه الأحاديث أنّ الغناء هو التَغنّي بالكلمات المُلْهية لأنّ الصوت من حيث إنّه صوت لا يسمّى حديثاً ، إذ الحديث هو الكلام الخبري ، فكلُّ صوتٍ مطرِبٍ مشتملٍ على لَهْو الحديث فهو غناء حينئذٍ ، وأمّا الأصوات المطرِبة المشتملة على كلماتٍ حقّةٍ فليست بغناء ؛ أو لا يُرى أنّ نَغَمات الأوتار لا يُسمّى لهوَ الحديث وقولَ الزور ؟ وأنّ الأحاديث الواردة في ذمّ استماعها لا يُعَلَّل بهما ، وهل يمكن أن تتَّصف الكلمات الحقّة من القرآن والأحاديث بسبب الترجيع ، بلهو الحديث وقول الزور ؟ وأيّ عقلٍ يُجَوِّز أن يصير القرآن ، الذي هو أصدق حديثاً ، بسببه قولًا زوراً وكذباً صُراحاً وأنْ تنْقَلب الآيات القرآنية الإنشائية بتطريب الصوت المترجِّع إلى الحقيقة الخبريّة وصارت أحاديثَ مُلْهِيةً وأقوالًا كاذبة ؟ أعاذنا الله وإيّاهم من سوء الفهم وقِلَّةِ التدبُّر فإنّه بئس القرين . فَظَهرَ حقَّ الظهور ممّا ذكرنا وقرّرنا مراراً ، أنّ مرادَهم عليهم السلام من الغناء الذي نَهوا عنه هو الأصوات المُلْهية التي يتصوّت بها الفسّاق ، ولمّا كانت هذه في ضمن الكلمات المُلْهية كما هو شائع في زماننا هذا ، إذ لا تخلوا الأزمنة عنهم وعن مقتضى طِباعهِم عبّروا عنه بلَهْوِ الحديث وقولِ الزور ، بل يمكن أن يُستدَلَّ بهذه الأحاديث على أنّ المراد بالغناءِ المذموم الأصوات المطرِبة في ضمن الكلمات المُلْهية ، كما ذهب إليه بعض الأفاضل . والعجب كلَّ العجب من أقوامٍ ينتحلون فَهم الأحاديث لأنفسهم ويدَّعون صَرْف أعمارهم في تتبّعها ، كيف غَفَلوا عن هذه التصريحات وحَكَموا بحُرمة مطلق السَماع وكيف اجترؤوا على مخالفة النصوص الصراح ؟ نعم * ( « مَنْ لَمْ يَجْعَلِ ا للهُ لَه ُ نُوراً ) *