هذا كلامه ، وهو كما ترى لا إشعار فيه باستحباب التغنّي بالقرآن كما زَعَمه الفاضل السبزواري ، بل غاية ما يستفاد منه أنّ هذه الأجوبة بثلاثتها بعيدة إلَّا أنّ جوابَ أبي بكر من أبعدها ، لما ذكره ؛ فإنْ عاد إلى كذا رجع إلى كذا ، ولم يكن جواباً بحياله ولا دلالة فيه على أنّ جواب غير أبي عبيد وهو الجواب الثاني أقرب من جوابه ليكون فيه إشعار بذلك فضلًا عن كونه واضحاً بل ليس فيه إلَّا مجرّد ترجيح جوابٍ على آخَر وعدم كونه بذلك البعد في هذا الخبر العاميّ ؛ وكيف يصحّ القول بميله إليه وهو لا يقول بأخبار الآحاد ، ويصرِّح بأنّها لا تفيد علماً ولا عملًا ولا سيّما إذا كانت مجهولاتٍ مرفوعاتٍ ضعيفاتٍ شاذّاتٍ عامياتٍ مخالفاتٍ لإجماعهم ، وكيف يترك هنا إجماع الإماميّة ويقول بما لا يقول به في حكمٍ . والحقُّ أنّ جواب أبي عبيد أقرب الأجوبة لما قلناه سالفاً ، وهو الذي أشار إليه الطَبْرِسي بقَوله : « وتأوّل بعضهُم بمعنى استغنوا به » . ثمّ أشار إلى الجواب الثاني ، وما ذكره السيّد في ترجيحه على الثالث بقوله : « وأكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت وتحزينه » . [1] ولعلَّه قلَّد السيّد في ذلك زَعماً منه أنّه الراجح عنده وقد تَعرّفْتَ بما فيه . وما أحسَن ما قال من قال : لم يبق للإماميّة مُفتٍ على التحقيق [2] ، بل كلُّهم حاكٍ . تتمة مهمة أمّا القدماء كصاحب الكافي ومن في طبقته أو قريب منها ، فإنّ الله جلّ ذكره جَعَل رَغْبَتَهم في جمع الأحاديث وتدوينه إذ لولا ذلك لانْدَرس بعد الغيبة
[1] مجمع البيان ، ج 1 ، ص 16 ، المقدمة ، الفنّ السابع . [2] معالم الأصول ، ص 205204 ؛ كشف المحجّة لثمرة المهجة ، المطبوع في النجف الأشرف ، ص 127 ؛ الرعاية في علم الدراية ، ص 93 .