واعلم أنّ حاصل كلام السيّد الماجد في رسالته المذكورة يؤول إلى ما ذكره السبزواري والقاشاني في كتبهم فإذا بَطَلَ ، بطَل . ولنَرجع إلى ما كنّا فيه فنقول : وأمّا الوجه الثاني فَمَعَ تكلُّفه وتخصيصه ينافيه ما وَرد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « مَنْ مَلأ مسامعه من غِناءٍ ، لم يُؤْذَن له أن يَسمع صوت الروحانيّين يوم القيامة قيل وما الروحانيّون يا رسول الله ؟ قال : قُرّاء أهلِ الجنّة » . [1] كذا في مجمع البيان وقوله : « ما رفع أحد صَوته بغِناءٍ إلَّا بعث شيطانان على منكَبَيه يضربان بأعقابهما على صدره حتّى يمسك » [2] فإنّ الغِناء المذكور فيهما ليس بمعرَّفٍ ليكون إشارةً إلى الشائع في ذلك الزمان ومع اشتمال الأخير على قرينةِ العموم يدلّ على أنّ الغناء الممنوع منه يتحقّق من دون اقترانه بالملاهي وكونه على سبيل اللهو من الجواري بل بمجرّد صوتٍ مُشتملٍ على ترجيعٍ مُطرِبٍ ، ففيه دلالة على أنّ منشأ المنعِ في الغناء ليس بعض الأمور المحرَّمةِ المقترنة به ، كالالتهاء وغيره ، كما ظنّوه بل هو نفسه ممنوع ؛ على أنّ المفرد المحلَّى باللام ، وإن سلَّم أنّه لا يفيد العموم لغةً إلَّا أنّه يفيده عرفاً شائعاً ، والحقائق العرفيّة مقدّمة على اللُغَويّة . ثمّ أنت خبير بأنّ الغِناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة عبارة عن التطريب والترجيع واللحن وما في معناها من الصَوت الطيِّب الموزون المُفْهِم المحرِّك للقلب ، وأمّا كونه على سبيل اللهو من الجواري المغنّيات وغيرهنّ في مجالس الفجور والخمور والعمل بالملاهي والتكلَّم بالأباطيل وإسماعِهنّ الرجال ؛ فخارج عن مفهومه ، فَحَمل المفرد المحلَّى باللام على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان حمل اللفظ على ما لا يدلُّ هو عليه بواحدٍ من الدلالات
[1] مجمع البيان ، ج 8 ، ص 314 ، سورة لقمان ( 31 ) : 7 . [2] جامع الأخبار ، ص 433 ؛ الكشاف ، ج 3 ، ص 491490 ، ذيل الآية 6 من سورة لقمان ؛ زبدة البيان في أحكام القرآن ، ص 413 ، كتاب المكاسب ، في أشياء يحرم التكسب بها .