* ( لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » ) * [1] فكَوْن ترجيع الغِناء أخصّ من مطلق الترجيع لا يدلّ على أنّ مراده صلى الله عليه وآله وسلم من الغناء هو العرفي الأخصَّ من اللُغَوي . ثمّ لمّا نهى أنْ يُرجِّعوا القرآن ترجيع الغناء وهو أن يقرؤوه بأصواتٍ مُلْهيةٍ مُفَرّحةٍ عطف عليه النهي عن قراءته على طريقة اليهود والنصارى من النَوح والرَهبانيّة زجراً عن الميل إلى طريقتهم لأنّ الرَهبانيّة منسوب إلى رَهْبَنَة النصارى بزيادة الألف وأصلها الخوف كانوا يترهّبون بالتخلَّي من أشغال الدنيا ، وتَركِ مَلاذِّها ، والزُهد فيها والعُزلة عن أهلِها ، وتعمُّد مشاقِّها ، حتّى أنّ منهم من كان يَخْصي نَفْسَه ويضع السِلسلِة في عُنُقه ، وغير ذلك من أنواع التعذيب كما ذكره ابن الأثير في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا رَهبانيّة في الإسلام » [2] فكأنّه قيل : لا ترجّعوا القرآن ترجيعَ الغناء ولا ترجيع النَوح والرَهبانيّة كما يرجّعون أهل الكتابين كُتُبَهم ، ولا شكّ أنّ الاهتمام بشأن النهي عنه أشدّ منه بشأن النهي عن ترجيع الأصوات المُلْهية ، لأنّه هو مع زيادة التشبّه بهم والميل إلى طريقتهم ، فيكون من عطف الخاصّ على العامّ أنّ [3] هذا خبر ضعيف أو مجهول لا صحيح كما زعمه وَقَعَ في مقابل إجماعهم ، فلا عبرة به ، وإجماعُهم وإن لم يحصل به القطع في هذه الأزمان إلَّا أنّه يحصل به الظنّ القويّ ، كيف لا ولم يظهر فيه مخالف في كتب أصحابنا ، فالظنّ الحاصل به لا يقصر عن الظنّ الحاصل بخبر الواحد ؛ ومجرّد احتمال خِلافه من دون خبرٍ معتَمدٍ عليه لا يقدح فيه بل مع وجود خبرٍ صحيحٍ على خلافه نرجّحه عليه ، لأنّ اتّفاقهم على الوجه المذكور مع وجوده يشهد بأنّ معهم ما يمنع من العمل به من دليلٍ قطعيٍ أو أقوى منه فَخُذْ المجمعَ عليه بين أصحابك واترك الشاذّ النادر .
[1] إحياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 323 ، والآية من سورة المائدة ( 5 ) : 118 . [2] النهاية ، ج 2 ، ص 281280 ، « رهب » . [3] في الهامش : « هذا خبر [ كذا ] أنّ » منه .