وأمّا كونها مطرِبة فَلِما مرَّ في بيان تحديده في الوجه الأوّل من أنّه والغناء اللُغَوي مترادفان ، وبيّنّا في الأحاديث السابقة أنّ الصَوت الحَسَن مطرِب بالضرورة ، فيكون لَحْن العربِ فرداً من أفراد مطلق الغِناء ، فتدبّر . وأمّا ثانياً : فلأنّه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ترجيع القرآن ترجيعَ الغِناء ، فلو لم يكن ترجيعُ الغناء أخصَّ من مطلق الترجيع لكان صلى الله عليه وآله وسلم يقتصر على قوله : « يرجّعون القرآن » ولم يذكر ترجيع الغناء لِعدم الفائدة فيه وبعبارةٍ أخرى « ترجيع الغناء » وقع مفعول مطلق مضاف والمفعولُ المطلقُ المضافُ أو الموصوف أخصُّ من مصدرِ فعله كقولك : سرتُ سَيْرَ البَريد وضربتُ ضرباً شديداً ، فثبت أنّ مراده صلى الله عليه وآله وسلم من الغناء هو العرفي الأخصّ من اللُغوي ، لأنّه لو كان مراده منه هو اللُغَوي لكان يقتصر على قوله : « يرجِّعون القرآن » ولم يذكر ترجيعَ الغناء ، لاستلزامه كون الشيء أخصّ من نفسه كما عرفت . فإن قيل : الترجيع أعمّ من ترجيع الغِناء لكونه مطرباً ؛ قلنا : نعم ، ولكن ظاهر أنّ القارئ يبذُلُ جُهْدَه في تناسُب الألحان ، لا في اختلافها لئلا يكون صوتَه كريهاً قبيحاً ، فتعيّن أن يكونَ مرادُه صلى الله عليه وآله وسلم الترجيع المطرِب . وأمّا ثالثاً : فلأنّ النَوحَ والرَهبانيّةَ عُطِفا على الغناء ، وتقديره : يرجِّعون القرآن ترجيعَ الغناء وترجيعَ النوح وترجيع الرَهبانيّة . فَعُلِم أنّ ترجيعَ الغناء أخصّ مطلقاً من مطلق الترجيع المطرِب الشاملِ للجميع أعني الغناء اللُغوي لكون كلٍ منها مطرِباً فتعيّن أن يكون الغناءُ المنهيّ عنه هو الغناءُ العرفي الأخصّ من