وقال بعض المحقِّقين : « هذا الحديث يدلّ على أنّ الغناء يحصُل بترجيع القرآن على النحو المتعارف الآن ويدلّ على تفسير الغناء بالترجيع المُطرِب » . وفيه من الذمّ والزجر على أبلغ وجه ٍ وأكمله ما لا يخفى على من عَقَله . وهل سمعتَ أنّ أحداً يقرا القرآن لاعباً بالملاهي والعود والطَنبور ونحوها ، حتّى يخصّ الغناء بمثل ذلك ويسهل طريق سَماع ما صار متعارفاً بعد ما ظهر أنّه غناء لِصدق الغِناء عليه ؟ وهل لذلك وجهء غير إجابة الشيطان واعتبار ذلك حتّى خفّ قبحه ؟ كما هو شأن كلِّ ما يعتاده الناس ، وقد سَرى ذلك من صوفيّة المخالفين وملاحدتهم ميلًا إلى طريقتهم وكراهةً لِما ورد في طُرقنا من النهي عنه وقد خصّ المحرِّم منهم كالغزّالي [1] وأضرابه بما يقع في مجالس الشراب والفِسق فقلَّده مَن أحسن الظنّ به مع استلزامه إساءة الظنّ بالأئمّة عليهم السلام وعلماء الشيعة . فالغناء إن كان هو الترجيع الذي ذكرَه علماؤنا فهو صادق على مثل ذلك وإن كان راجعاً إلى العُرف كما قيل [2] أيضاً فإنّما يُستفاد كون هذا غناءً من العرف في بلاد العَرَب ؛ وقد ذَكَرَ الصوفيّة في أسباب الجَذْبة التي تحصُل لِلْمُريد ملازمة سَماع الغناء على غير ما خصّه ، ولا كلام في ذلك مع الصوفي المخالف ، بل مع من هو على ظاهر هذا المذهب ، ولا مَفرَّ له من القول بتحريم الغِناء حيثما صدق عدا ما استثني لإطلاق دليله وعمومه فإن قبلت العرف ، فقد اعترفوا أنّه الغِناء وإن رجعت إلى الترجيع فكونه كذلك بديهيٌّ ، وفهمُ المعنى المحرّم من لفظ الألحان في هذا الحديث من ضيق الفِطَن عن معرفة مواقِع الألفاظ ومقامات استعمالها ، لتألُّف طبيعة أهل الغناء بكون مثل النَغمة والألحان ينصرف إلى المعنى المتعارف بينهم ، وإلَّا فالألحان و
[1] إحياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 296 297 . [2] انظر : الروضة البهية ، ج 3 ، ص 212 .