والنبوّة والإمامة وغيرهما نظماً ونثراً ، المقترنة بالأصوات الطيّبة ، يُذكِّر الآخرة ويُهيِّج الشوق إلى العالم الأعلى كما يقول به الصوفيّة وقد مرَّ إليه الإيماء ، ولعلَّه وافَقَهم في ذلك كلِّه ، وهو الظاهر من سياق كلامه ؛ فحاصلُه يؤولُ إلى أنّ الممنوعَ من الغِناء ما يكون لهواً باطلًا أو مقترناً بالملاهي ، وأمّا ما ليس كذلك ، كالمذكِّر والمهيِّج فليس بممنوعٍ منه . وفيه ما سبَقَ وسيأتي نحؤ آخَر . وأمّا ما قال من التعارض بين خصوص أخبار الغِناء وعموم أخبار فضل قِراءة القرآن والدعاء ، ثمّ تأييدها بموافقتها للأصل ؛ فمندفع بأنْ لا تعارض بين الخاصّ والعامّ ولا بين ما يفيد التأسيس وما يفيد التأكيد ، وقد تعرّفتَ الحال وحاصل المقال فَتَذكَّر ، ثمّ تفكَّر فيما في جَمْعه بين هذه الأخبار . فإنّ الوجه الأوّلَ مع تكلَّفه ، بل تعسّفه لأنّ الأخبار الكثيرة الدالَّة على تحريم الغناء عموماً ، وخصوص ما دلّ على ذمّ التغنّي بالقرآن معتضدة بعمل جُلِّ السَلَف وكلِّ الخَلَف فيرجّح على ما يدلُّ على جواز التغنّي به ، لأنّه مع كونه مدخولًا بِحَسب السند ، متروك عندهم لما عرفتَ وستعرف أيضاً . وقد تقرّر في الأصول أنّ الكَثرةِ أمارة الرُجحان ؛ والعمل بالراجح واجب على أنّ ذكر العامّ وإرادة الخاصّ مجاز لا بدّ له من قرينةٍ صارفة ، ولا قرينةَ هنا صالحةً لصرفه عن حقيقته إلى المجاز إذ الأخبار الضعيفة الموافقة للعامّة المخالفة للخاصّة وإجماع الإماميّة المحمولة على التقيّة الغير الناصّة [1] بالباب ، القابلة للتأويل ، المعارضة بأقوى منها وأكثر ، غير صالحةٍ لذلك التخصيص والصرف عن الحقيقة إلى المجاز وإنّما قلنا أكثر السلف بناءً على ما فَهِمَه من كلام الفقيه [2] والمرتضى [3] والطبرسي [4] رحمهم الله وإلَّا فكُلُّهم متّفقون على تحريمه مطلقاً
[1] كذا في المخطوطتين والصواب : « غير الناصّة » . [2] الفقيه ، ج 4 ، ص 60 ، ذيل ح 5097 . [3] كلام السيّد المرتضى رحمه الله مطبوع في هذه المجموعة . [4] مجمع البيان ، ج 1 ، ص 16 ، المقدّمة ، الفنّ السابع .