الغرور والترقّي إلى عالم النور كما توجّه إليه المنظور . وبعضها كاستماع الكلمات المنظومة والمنشورة المقترنة بالأصوات الطيّبة المورِثَة على زعمهم لإثارة الأشواق إلى العمل ولِقاء الله تعالى ، كلمات مُمَوّهات وعبارات مزكَّيات لا مُحَصَّل لها ، إذْ من البيِّن أنّ مَلَكَةَ الاتصال والانتساب إلى عالَم الملَكوت وهَيَجانَ الشوق إلى لقاء الله ذي العِزّ والجبروت ، إنّما تحصُل بالمداوَمة على النظر والتفكَّر ، وبملازمَة الطاعات والعبادات أعني باستعمال قُوَّتَي النظريّة والعمليّة ؛ جَوِّعوا أنفسَكم وعطِّشوا أكبادَكم والبَسوا جلْبابَ الحُزْن ، لعلَّكُمْ تَرَون الله في قلوبكم ، لا باستعمال آلةِ السَمع في سَماع الأصوات الطيّبة ؛ فإنّها تُفيد أوّلًا وبالذات لذّةً جسمانيّةً ، موضوعُها السمع ، ثمّ تتأثّر عنها النفس ثانياً وبالعرض بواسطة العلاقة . فإن أورَثها ذلك لَهْواً كما أورَث لذّةً ، فهو حرام وإلَّا فلا . ومنه يُعلم أنّ نزاعه مع العلَّامة وغيره ممّا لا محلَّ له فإنّه يعلَّل تحريم الغِناء بِبَعضِ الأمور المهمَلَة المحرّمة كالالتِهاء وغيره ويقول : « إنّ في تلك الأخبار الدالة على منع الغناء إشعاراً بكونه لهواً باطلًا » وهذا بِعَينه ما يقوله العلَّامة ، فإنّه في بعض فوائده فسّر الغناء بمدّ الصَوت المشتمل على الترجيع المطرِب الموجِب لِلَذّةِ الإنسان ولَهْوِه . ثمّ قال : « فَلَو فُرض عدم لذّته بما يسمَعُه من ذلك الصوت ، لا يكون فرق بينه وبين نعيق الغراب وشبهه من الأصوات التي لا توجب لذّةً ولا لهواً ، عملًا بالدوران » هذا . ثمّ إنّه قدس سره بعد اعترافه بإشعار الأخبار الكثيرة الدالَّة على منع الغناء بكونه لَهواً باطلًا ، مَنَعَ صِدق ذلك في القرآن والدعاء وهو عجيب فإنّ الغِناء لمّا كان لَهواً باطلًا ، لا تتفاوت فيه الحال ، استُعمل في نظم أو نثرٍ غير القرآن والدعوات والأذكار ، أم استُعمِل فيها بل استعماله فيها يكون أقبَحَ وأبطَلَ ، والسند المذكور فيها مشترك إذ استماع المعارف الحقّة المقولة في التوحيد