المقصود ، والنَغْمةِ رخيمةً دقيقة فإنّ لِينَ الصَوت يفيد النفس هَيئةً تُعِدُّها نحو المسامحة في القبول ، وشِدَّتَه تفيدها هيئةً تُعِدُّها نحو الامتناع عن القبول ؛ وكذلك للنَغَمات تأثيرات مختلفة في النفس ، مناسب كلُّ صنفٍ منها صنفاً من الهَيَئات النفسانيّة . والأطباء والخُطباء يستعملونها في معالجات الأمراض النفسانيّة ، وفي إيقاع الإقناعاتِ المطلوبة بحسَب تلك المناسبات ، فقد يَسكُن الغضب بنقر أوتار الملاهي المُسمّاة بالپردة البلوسليكيّة والپردة النيشابورية ويعالج الخوف والغمّ بنقر الأوتار في الطريقة المسمّاة بالپردة الحسينيّة وهكذا . [1] ولا يخفى ما في هذه كلَّها فإنّ بعضَها ، كبقاء لَذّة الخطاب الموجِبِ لتغيُّر الحال والانزعاج والبكاء عند سَماع أبيات الغَزَل المَقولة في المراد على كراسيّهم خَرَّبها الله ومراقِصِهم عطَّلها الله في آذانهم إلى الآن ، هذيان أقبحُ ممّا اعتمدوا عليه حال السَماع من الرقص والتصفيق بالأيدي الذي نَهَى الله عنه في كتابه العزيز . وبعضها كالألحان المورِثةِ لِذُهول النفس عن استعمال القوى من مقولة دفع الفَساد بالأفسد أو بما يساويه في المفسدة لأنّ تلك الألحان على تقدير أنّها توجب الذهول ، إلَّا أنّها بسَماعها إيّاها وتلذّذها بها والتفاتها إلى ما فيها من النَغَمات والترنّمات ، تذهَل عن الإقبال إلى العالَم الأعلى وتميلُ بالطبع إلى الألحان الحاكية ، وإلى ما فيها من الأمور اللاهية ، بل يكون أمرها مقصوراً على الطرب واللذة الحاصلَين من السَماع ونحوه ، ولذا يسمّى باللهو ؛ واللازم منه مشايَعةُ تلك القوى ومطاوعتها إيّاها إلى ذلك لا إلى التجانُب عن دار
[1] انظر : الإشارات والتنبيهات ، ج 3 ، ص 382 - 383 النمط التاسع ، الفصل 8 .