دُرْبة بالمقامات والألحان تَطْرب المَسامع وتأخذُ من القلوب بالمَجامع حتّى تكاد تسلُب العقول وتُدهِش بتأثيرها الفحول ، على أنّ من الناس مَن يَصعَق وتظهر له الغَشْية والبُكاء عند قراءة القرآن بمجرّدها من دون ذلك . ففي الكافي عن جابر عن أبي جعفرٍ عليه السلام قال : قلت : إنّ قوماً إذا ذَكروا شيئاً من القرآن أو حُدِّثوا به صَعِقَ أحدُهُمْ حتّى يُرى أنّ أحدَهم لَو قُطِعَت يداه ُ أو رِجلاه ُ لَمْ يَشْعُر بذلك ! فقال : « سبحان الله ، ذلك من الشَيطان ما بهذا بُعثوا إنّما هو اللين والرِقَّةُ والدَمْعَةُ والوَجَلُ » [1] . هذا . ويصدِّق ما قلناه من التقيّة ما في عيون الأخبار بإسناد إلى محمّد بن أبي عَبّادٍ وكانَ مشتهراً بالسماع وبِشُرب النبيذِ قال : سألت الرضا عليه السلام عن السَماعِ ، فقال : « لأهلِ الحجاز رأي فيه ، وهو في حَيِّزِ الباطِل واللهو ، أما سَمِعْتَ الله َ عَزّ وجلَّ يقول : * ( « وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً » ) * . [2] وفي كتاب قُوت القلوب لأبي طالب المكَّي في مقام الاستدلال على جواز الغناء : ولم يزل الحجازيّون عندنا بمكَّةَ يسمعون الغناء في أفضل الأيّام في السنةو هي الأيّام المعدودات التي أمر الله عباده فيها بذكره وكان لِعطاء جاريتان تلحّنان وكان إخوانه يستمعون إليهما . قال : ولم يَزَلْ أهل المدينة مواظبين كأهل مَكَّة على السَماع إلى زماننا هذا ، فإنّا أدركنا أبا مروان القاضي وله جوارٍ يُسْمِعن الناس التلحين وقد أعَدَّهُنَّ للمتصوفين . [3]
[1] الكافي ، ، ج 2 ، ص 617616 ، باب فيمن يُظهر الغشية عند قِراءة القرآن ، ح 1 ، وفيها : « ما بهذا نُعِتوا » . [2] عيونُ أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 281280 ، والآية من سورة فرقان ( 25 ) : 72 . [3] قوت القلوب ، ج 2 ، ص 62 ؛ وحكاه الغز إلي في الإحياء ، ج 2 ، ص 293 عن أبي طالب المكّي .