بل نقول : إنّ العاملين با أخبار الآحاد بعد اتّفاقهم على أنّ الحديث الضعيف لا يثبُت به حكم ، اختلفوا في جواز العمل بالحَسَنة والموثَّقة وغيرهما ؛ فمنهم من اقتصر على العمل بالصِحاح ولم يعمل بالحِسان والموثَّقات وإن اشتهرت واعتُضدت بغيرها . فلم يبقِ في المقام رواية صالحة لأن يتمسّك بها إلَّا رواية معاوية ، وهي قاصرة عن الدلالة على جواز الغناء في القرآن والأذكار والدعاء وقابلة للتأويل . ويمكن أن يكون المراد بالترجيع الترديد في القراءة ليتمكَّن القارئ من التدبّر والتفكَّر فيها قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « لا خير في عبادةٍ لا فِقه فيها ، ولا في قراءةٍ لا تدبّر فيها » [1] وإذا لم يتمكَّن من التدبّر إلَّا بالترديد فليردد قال [ أبو ذر ] : قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يردّدُ * ( « إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » ) * . [2] وقال ابن الأثير في النهاية بعد أن نقل قِراءة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح أنّه كان يُرجِّع : « الترجيع ترديدُ القِراءة ومنه ترجيع الأذان » . وقيل : هو تقارب ضُروبِ الحركات في الصوت . وقد حكى عبد الله ابن مُغَفّل ترجيعَه بِمدِّ الصوت في القِراءة نحو : آء آء آء ، قال : وهذا إنّما حصل منه والله أعلم يوم الفتح لأنّه كان راكباً فجعلت الناقة تُحرّكه وتُنَزِّيه فَحَدثَ الترجيعُ في صَوته . وفي حديث آخر : غير أنّه كان لا يرجِّع ، ووجهه أنّه لم يكن حينئذٍ راكباً فلم يَحْدُث في قراءته الترجيع » [3] انتهى . وإنّما أوّله في هذه الصورة إلى ما أوّله إليه إمّا للجمع بين الخبرين أو لأنّ الترجيع والغناء في القِراءة فعل لغو وعَمَل لَهو والمقام النبويّ مُنَزَّهء عنه وعن أمثاله ، وهذا منه يدلّ على أنّه لا يقول بجواز الترجيع بهذا المعنى وإباحته في القراءة ، وسيأتي منه أصرح من ذلك . ونقل عن خليل بن أحمد أنّه حمل الترجيع في بعض روايات الأذان
[1] البحار ، ج 2 ، ص 49 وج 78 ، ص 41 . [2] البحار ، ج 16 ، ص 293 . والآية من سورة المائدة ( 5 ) : 118 . [3] النهاية ، ج 2 ، ص 202 .