مع القول بتحريم الغناء في القرآن يحتاج إلى تكلَّفٍ بيّن . والشيخ أبو علي الطَبْرسي رحمه الله قال في كتاب مجمع البيان : « الفنّ السابع في ذكر ما يُستحبّ للقارئ من تحسين اللفظ وتزيين الصوت لقراءة القرآن » ؛ ونَقَل روايات من طريق العامّة حتّى نقَل رواية عبد الرحمن بن السائب [1] قال : قَدِم علينا سعد بن أبي وَقّاص فأتيته ُ مُسلِّماً عليه ، فقال : مرحباً بابنِ أخي بَلَغَني أنّك حَسَنُ الصوت بالقرآن ؛ قلت : نَعَم والحمد لله . قال : فإنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إنّ القرآن نَزَل بالحُزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتَغَنُّوا به فَمَن لم يتغنَّ بالقرآن فليس منّا » . قال وتأوّل بعضُهُم بمعنى « استغنوا به » وأكثرُ العلماء على أنّه تزيين الصوت وتحزينه . انتهى . [2] وهذا يدلّ على أنّ تحسين الصوت بالقرآن والتغنّي به مستحبٌّ عنده وأنّ خلاف ذلك لم يكن معروفاً بين القدماء وكلام السيّد المرتضى في الغرر والدرر [3] لا يخلو عن إشعارٍ واضحٍ بذلك . وفي الكافي في باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن ، أورد أكثر الأخبار المذكورة ، وأنت تعلم طريقة القدماء . وحينئذٍ نقول : يمكن الجمع بين هذه الأخبار والأخبار الكثيرة الدالَّة على تحريم الغناء بوجهين : أحدهما : تخصيص تلك الأخبار بما عدا القرآن وحمل ما يدلّ على ذمّ التغنّي بالقرآن على قِراءةٍ تكون على سبيل اللهو ، كما
[1] في النسخ : « عبد الرحمن بن الثابت » . [2] مجمع البيان ، ج 1 ، ص 16 ، المقدمة . [3] أمالي المرتضى ، ج 1 ، ص 31 - 36 .