الأصليّة ، فعليكم أن تحكموا بإباحته مطلقا ، فلم حكمتم بتحريمه كذلك ؟ ! وأمّا أن يقولوا : لا ندري في أيّ معنى من معنييه استعمل فيهما ، فنقول حينئذ : يجب الجمع والتوفيق بين الطرفين لإطراح أحدهما والتمسّك بالآخر كما عرفت ، فبم تمسّكتم في طرح الأحاديث الدالَّة على الجواز والاستحباب وصحّحتم الطرف الآخر الدالّ على الحرمة وحكمتم بتحريمه مطلقا ؟ ! وإن قالوا : نتمسّك بمقتضى الاحتياط ، نقول : إنّ الاحتياط يقتضي أن تكفوا [1] الناس عن ألسنتكم عند قراءة القرآن والكلمات الحقّة من الأذان وغيره بالأصوات الحسنة المذكَّرة للجنّة ولا تنهوهم عنها لئلا تكونوا في زمرة الناهين عن المعروف الآمرين بالمنكر حتى يتبيّن لكم الحقّ ، فإنّ الاحتياط إنّما يكون في حقّ من لا يكون على يقين في أمر يحتاط فيه ، وأمّا إذا كان على يقين في حقّه فلا معنى للاحتياط فيه ، فلعلّ هذا الذي تنهون عنه يكون معروفا بحسب الواقع ، فتكونون ناهين عن المعروف وأنتم لا تشعرون ، غاية الأمر أن تتوقّفوا في أمره حتّى يتبيّن لكم حقيقته أو بطلانه ، لا أن تنهوا الناس عنه حتّى يظهر لكم حقيقة الأمر فيه . بل نقول : صراحة الأخبار الواردة في الطرفين لا يبقي اشتباها في هذا الأمر ، فإن كنتم في شكّ في أمرها فاسألوا أهل الذكر حتّى تعلموا ما هو الحقّ . وكيف يمكن أن يقبل منكم أنّكم تحتاطون وأكثركم يمنع التغنّي في الأعراس مع ورود النصّ على شرعيّته هناك ، ويعاضده العقل أيضا ، من جملته حدوث ميل العزّاب إلى النكاح المرغَّب فيه المؤدّي إلى حفظ النوع والنسب والتجنّب عن السفاح والعطب . وأمّا ما جوّزه بعض الفقهاء فيها فقط فهو تخصيص من غير مخصّص لورود الأحاديث في شرعيّته في غيرها أيضا ، ولو فرضنا عدم النصّ على شرعيّته
[1] في الهامش : « في هذه العبارة إيماء لطيف لا يخفى على متتبّعي علم المعاني » ( منه ) .