أقول : الطبع السليم والذهن المستقيم يأبى عن هذا التأويل البعيد غاية الإباء ، والخلط بين العرف الطارئ واللغة حمله على هذا التأويل . وفيه وفي التهذيبين عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام : « أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، ليست بالتي يدخل عليها الرجال » . [1] وفيه وفي التهذيبين عنه قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن كسب المغنّيات ، فقال : « التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول اللَّه عزّ وجلّ : * ( ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ الله ) * [2] . أقول : هذان الحديثان مصرّحان بما نبّهنا عليه في « التبصرة » من حال فسّاق العرب وشغل فتياتهم بالأصوات الملهية لجذب الفسّاق إلى أنفسهنّ ، وأنّ الغناء المحرّم هذا النحو من الغناء ، وغيره من الغناء ليس بمحرّم ، فلا تكوننّ من الغافلين . وفيه وفي التهذيبين عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : « المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها » . [3] أقول : الحكم بحليّة كسب المغنّية هاهنا وحرمته في الأحاديث الأخر إنّما هو بحلَّية ما يترتّب على أحدهما وحرمة ما يترتّب على الآخر ، ويظهر منها أنّ الغناء من حيث هو هو ليس بحرام استماعا وكسبا كما لا يخفى .
[1] التهذيب ، ج 6 ، ص 357 ، ح 143 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 62 ، الباب 35 ، ح 5 ؛ الكافي ، ج 5 ، ص 120 ، ح 5 . [2] التهذيب ، ج 6 ، ص 358 ، ح 145 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 62 ، الباب 36 ، ح 7 ؛ الكافي ، ج 5 ، ص 119 ، ح 1 . [3] التهذيب ، ج 6 ، ص 357 ، ح 144 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 62 ، الباب 36 ، ح 6 ؛ الكافي ، ج 5 ، ص 120 ، ح 2 .