الأئمّة عليهم السّلام كانوا يقرؤون القرآن بالصوت الحسن المترجّع ، فلننظر أنّ حدّ الغناء اللغوي هل يصدق على هذه القراءة أم لا ؟ فنقول - تأكيدا لما سبق وتنبيها لمن غفل - : هو كما مرَّ مرارا عبارة عن الصوت المترجّع المطرب ، وقراءتهم عليهم السّلام يصدق عليها أنّها صوت ، وهو ظاهر ، وكذا أنّها مترجّع فيها لما عرفت ، ولا شكّ في كونها مطربا بأحد المعنيين لالتذاذ بعضهم عند سماعها فيقف بعض كالسقائين ، ويصعق بعض آخر كالمارّة فيصدق على قراءتهم الغناء بالمعنى اللغوي - أعني الصوت المترجّع المطرب - وأمّا الغناء بالمعنى العرفي الطارىء ، بمعنى الألحان والنغمات الملهية المهيّجة للشهوات ، المزيّنة للسيّئات التي تزيّنها التصدية وضربة الدفوف وتتصدّاها القينات لجذب الفسّاق من الرجال إلى أنفسهن فلا يجوز التغنّي بها مطلقا ، فضلا عن تغنّي القرآن بها ، ونهي رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم والأئمّة المعصومين عليهم السّلام مختصّ بهذا النحو من القراءة وهذا النوع من الغناء ، وهو الذي صار إطلاق الغناء عليه حقيقة عرفيّة . [1] ولينصف المنصف أنّ قراءة القرآن بالألحان الملهية المعروفة بالتصانيف في زماننا المقوّاة بضرب الدفوف والرقص المزيّنة بسائر آلات اللهو المهيّجة للشهوات ؛ وبالمقام المسمّى بالرهاوي المورث للحزن والبكاء هل هما سيّان ؟ حاشا وكلَّا ، أين الثريّا من الثرى وأين الأرض من السماء ، بل * ( هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُه وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ) * . [2] يدلّ على ذلك ما روي في الكافي عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون
[1] إطلاق الغناء على مجموع العارض والمعروض هاهنا وفي المواضع الأخر مع أنّه نفس العارض فقط كما حقق في المسألة اللغويّة إنّما هو بضرب من التسامح وتبعا لمستعمليه فيهما مع أنّه غير مخلّ بالمقصود ( منه ) . [2] فاطر ( 35 ) : 12 .