الأخبار الحضّ على قراءة القرآن بالصوت الحسن وذمّ قراءته بالغناء ووجدوا أحاديث في ذمّ الغناء ، وزعموا أنّ الغناء المنهيّ عنه الغناء بالمعنى اللغوي ، وهو يشتمل على ترجيع الصوت . فزعموا أنّ كلّ صوت مترجّع مطرب حرام ، فلا بدّ أن يكون الصوت الحسن خاليا عن الترجيع . وتحيّروا في أمره ولم يهتدوا إليه سبيلا ؛ وهذا ظنّ فاسد كما عرفت وستعرف . ولذا إذا سئلوا عن شرح اسم الصوت الحسن يتبلبلون في بيانه ، فتارة يقرؤون آية من القرآن ويقولون : هذا الصوت الحسن وبعد اللتيّا والتي لم يعرفوا أنّ شرح الاسم يفيد مفهوما كلَّيا ، وصوتهم هذا أمر شخصي عيني وبينهما بون بعيد ؛ وتارة يقولون : « ما يستحسنه الطباع من غير ترجيع » ، وقد عرفت أنّ الصوت الخالي عن الترجيع لا يتّصف بالحسن ، وتارة يدّعون البداهة في أمره ولم يعلموا أنّ البداهة والنظر ممّا يتعلَّق بالمعاني ، وشرح الاسم ممّا يتعلَّق بالألفاظ . مسألة لغويّة : الغناء لغة تطريب الصوت ، والطرب : الفرح والحزن أو سببهما ، فهو من لغة الأضداد . نصّ عليه القاموس ، وخصّصه بعضهم بالفرح واستضعفه فيه [1] ، وقال بعض الفضلاء : ومن العامّة من فسّره بتحسين الصوت ، [2] ويظهر ذلك من بعض عبارات أهل اللغة ( انتهى ) . [3] وفسّر بنفس الترجيع المطرب [4] ، وهو وما في القاموس واحد بالمآل ، ويلزمهما ما نقله بعض الفضلاء ؛ لأنّ الصوت المطرب بكلا معنييه لا ينفكّ عن الحسن ، وهو لا ينفكّ عن الترجيع ، لما عرفت من المسألة الفلسفيّة ، فكلّ صوت مرجّع مطرب يكون غناء بحسب اللغة ، وجميع النغمات والألحان التي يبحث عنها
[1] القاموس ، ص 140 ، « طرب » . [2] النهاية ، ج 3 ، ص 391 « غني » ؛ قال الشافعي : « معناه تحسين القراءة وترقيقها » ؛ رسالة تحريم الغناء للمحقّق السبزواري المطبوعة في هذه المجموعة ، ذيل « معنى التطريب والترجيع » . [3] الصحاح ، ص 172 ، « طرب » . [4] الروضة البهيّة ، ج 1 ، ص 273 .