الذي يليق بأهل الطاعة والتقوى والديانة - خصوصا أصحاب العلم والفقهاء - التورّع عن أمثال هذه الشبهات والاحتياط في أمر الدين وعدم الركون إلى الأهواء وقلَّة الالتفات إلى ميل النفس والتذاذ الطبيعة ، وبالجملة الأمثل في زماننا هذا الأخذ بالحائطة للدين والاقتصار على موضع اليقين كما وقع الأمر به في بعض الآثار المنقولة عن الصادقين عليهم السّلام ؛ لمكان الاشتباهات في المسائل وكثرة الإشكالات في الدلائل ، وتطرّق الشبهات وتصادم الاختلافات وعروض الآراء المردية والأهواء الموبقة ، وبعد العهد عن زمان حضور المعصومين وإشراف الأسلاف ، واختفاء بوارق شمس الحجّة تحت سحب الاحتجاب وحجب الاستتار وانمحاء كثير من الآثار والأخبار بسبب تصادم الأدوار وتعاقب الأعصار ، وتطرّق شوائب التوليد والتحريف ، وتولَّد البدع ومجدّدات الأمور ، وطول فرصة الشيطان وكثرة الخلل في أوضاع الأزمان وشدّة استيلاء الأوهام ، وانجذاب الطبائع إلى مركز الباطل وميل النفوس إلى ظلمات الشهوات ، وبالجملة قد أعمى عن الحقّ تفرّق الآراء وأظلم الطريق تطرّق الأهواء . وقد قال الصادق عليه السّلام فيما رواه عنه عمر بن حنظلة وأورده الأصحاب في كتبهم : وإنّما الأمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فمتّبع ، وأمر بيّن غيّه فمجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى اللَّه عزّ وجلّ . قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم . وفي الخبر المذكور : « الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » . [1]
[1] وسائل الشيعة ، ج 27 ، ص 157 ، أبواب القضاء ، الباب 12 ، ح 9 ؛ الكافي ، ج 1 ، ص 68 باب اختلاف الحديث ، ح 10 ؛ الفقيه ، ج 3 ، ص 8 ، ح 3233 ؛ التهذيب ، ج 6 ، ص 301 - 302 ، ح 845 .