المتواترات القطعية بكلا الوجهين أو بأحدهما ، وقلَّما يوجد الاحتمالان الأخيران بخلاف الأوّل إذ التعارض بينها كثير ، وحينئذ إمّا أن يمكن التوفيق بينهما أو لا . فإن أمكن وجب ، سواء كان أحد الطرفين أرجح بأحد وجوه التراجيح المذكورة في مظانّه أو لا ، وذلك لأنّ أخبار الآحاد تفيد الظنّ ، ووجوه الترجيح تفيد غلبته ، وهي لا ينفي احتمال صحّة الطرف المرجوح ، إذ ربما كان هذا الطرف صحيحا ، فلهذا ترى المحدّثين يبذلون جهدهم في الجمع بين النصوص المتخالفة ، ويتكلَّفون في بيان التوفيق غاية التكلَّف ، ولو لم يراع هذا الطريق يلزم طرح كثير من الأمارات بمحض التعارض بين ظواهرها من غير داع يدعوه وسبب تقتضيه ، وإن لم يمكن التوفيق بينها يعتبر الراجح ويطرح المرجوح . وإن كانت متساوية في الجميع - ويعبّر عنه بالتعادل - فهذا ممّا اختلف فيه ، فذهب الأكثرون إلى أنّ للمجتهد العمل بالتخيير بأيّ الطرفين شاء لئلَّا يقع تضييع الأمارتين رأسا ، وحكم الآخرون بتساقطهما للتمسّك بالبراءة الأصلية لأنّ التخيير يفضي إلى الترجيح المحال ، بمعنى أنّه لا يمكن وقوع التخيير للمجتهد ، وكون الأمارتين بالنظر إليه متساويتين من غير رجحان أحدهما على الآخر . وأمّا كونهما متساويتين في الواقع فممّا لا سبيل إلى العلم به بل نعلم عدم تساويهما في الواقع ؛ إذ نعلم بالضرورة عدم التناقض بين أقوال النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم والأئمّة المعصومين عليهم السّلام بحسب الواقع ، وهذا قول سديد ورأي متين . بحث فلسفي : كما أنّ لأنواع مدركات البصر أحكاما متباينة وآثارا متخالفة - بعضها يوجب السرور والانبساط كما في رؤية الألوان التي تسرّ الناظرين والأزهار والأوراد والرياحين ، وبعضها يورث الرحم والانعطاف كما في رؤية سقيم متروب ، وبعضها يورث البكاء كما في رؤية قتيل مصلوب ،