البحث من الجانبين مذكورة في كتاب الإحياء للغزّالي [1] . وممّا يؤيّد ما ذكرناه الحديث المذكور من طرق العامّة فإنّ كثيرا منهم حملوها على الغناء واستحبّوا التغنّي بالقرآن مع كونهم من أهل المعرفة باللسان وفيه دلالة على أنّ قراءة القرآن بالألحان الطيّبة غناء . وممّا يؤيّد ذلك أيضا تعبير أهل الموسيقى جميع الأقسام التي يودعونها في كتبهم من الألحان والنغمات المطربة غناء كما يظهر بمراجعة كتبهم . هذا مع ما عرفت من وقوع المنع من الترجيع في القرآن صريحا في بعض الأخبار السابقة وذمّ التغنّي بالقرآن في بعضها ولا خفاء في أنّ ما ذكرناه يفيد الظنّ الغالب بالمدّعى ، وهو كاف في هذا الباب ؛ فإنّ غاية ما يحصل في معرفة الألفاظ الشرعيّة وأحكامها في زماننا هذا ، إنّما هو الظنّ وطرق العلم في الأحكام منسدّة علينا إلَّا نادرا ومن ادّعى خلاف ذلك فقد عدل عن الحقّ وفارق المنهاج وسقوط قوله معلوم عند من مارس الطرق الفقهيّة ونظر إلى مستندات الأحكام الشرعيّة . وبالجملة ليس البحث إلَّا مع من يسلَّم منّا هذا الأصل . فإن قلت : ما ذكرت من كلام أهل اللغة لا يفيد ظنّا لعدم ظهور صحّة مذاهبهم وعدم ثبوت عدالتهم ولا اعتماد على قول غير العدل . قلت : صحّة المراجعة إلى أرباب الصناعات البارعين في فنّهم في ما اختصّ بصنائعهم ممّا اتّفق عليه العقلاء في كلّ عصر وزمان فإنّ أهل كلّ صنعة يسعون في تصحيح مصنوعاتهم وصيانتها وحفظها عن مواضع الفساد ويسدّون مجاري الخلل بحسب كدّهم وطاقتهم ومقدار معرفتهم بصنعتهم ، لئلَّا يسقط محلَّهم عندهم ولا يشتهروا بقلَّة الوقوف والمعرفة في أمرهم وإن كان