والخطب والرسائل والكتب المعتبرة ، فمن ادّعى شيئا من ذلك بدون ما ذكرناه فغير خاف على اللَّبيب سقوط قوله ومجازفته وليس لأحد أن يقبل دعواه ولقد أحسن من قال : « من تعوّد أن يصدّق الشيء بلا دليل فقد انسلخ عن الفطرة الإنسانيّة » . وحينئذ فالمرجع في تفسير الغناء إلى ما ذكرناه وقد سمعت نبذة من كلام أهل اللغة في هذا الباب وظاهر أنّه يقتضي كون جميع ما ذكرناه في محلّ البحث غناء وقد صرّح الجوهري بأنّ ما يسمّيه العجم « دو بيتي » غناء [1] . وكثير من الأشعار المبحوث عنها من هذا القبيل . وقد عرفت أيضا ما قال الفقهاء في تفسيره وهم أعرف باللسان لغة وعرفا منّا وظاهر شموله لجميع ما ذكر ، وقد سمعت أيضا تصريح فقهائنا بأنّ الغناء أعمّ من أن يكون في القرآن أو في الشعر أو في غيرهما ، وكذلك غير أصحابنا من العامّة وناهيك بكلام من اشتهر بينهم بحجّة الإسلام أبي حامد الغزّالي فقد مرَّ تفسيره الغناء ، وذكر الغزّالي أيضا في سياق بحث الغناء تفصيلا وأقساما سبعة عدّ منها غناء المحبّين العارفين لأجل تهييج الشوق والوجد [2] . وقد سمعت أيضا كلام السيّد المرتضى - وهو كالصريح في المدّعى - وممّا يؤيّد ما ذكرناه استمرار البحث بين علماء العامّة في سماع الصوفيّة وما يقرؤونه بالنغمات والأصوات الحسنة في أوقات الأذكار وغيرها ، فطائفة ينكرونه استنادا إلى ما رووا من الأخبار والآثار الدالَّة على منع الغناء ، وطائفة يبيحونه ويجيبون عن حجج الطائفة الأولى بارتكاب التخصيص في تلك الأخبار وادّعاء الاستثناء بحجج ضعيفة يستندون إليها ولا ينكرون كون ذلك غناء مع كونهم من أهل المعرفة باللَّسان ، وظاهر أنّ ما يقرؤونه في تلك الحالات إنّما يكون من الأذكار المسجّعة والأشعار الدالَّة على الموعظة وأشياء من هذا القبيل وحكاية
[1] لم أجده في الصحاح . [2] إحياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 300 - 306 .