الخامس [ قراءة القرآن وغيرها ] اشتهر بين جماعة من الناس في زماننا هذا قراءة القرآن بالألحان والنغمات والتحريرات وكذلك قراءة الأذكار والدعوات واستماعها وقد يتدرّج ذلك إلى قراءة أشعار المتصوّفة وأمثال ذلك بأنواع الألحان ، وربما يسري ذلك عن العوامّ إلى بعض الخواصّ من أهل العلم والديانة ومن ينسب إلى التقوى والعدالة ويتعلَّلون في ذلك : تارة بأنّ ما كان في القرآن والأذكار والأشعار المشتملة على الحكمة والموعظة ليس بغناء ، إنّما الغناء ما اختصّ به أهل اللهو والفجور في مجالس المعاصي والخمور وأمثال ذلك أو أعمّ من ذلك كما إذا اشتمل على الألفاظ الدائرة بين أهل الموسيقى في التقطيعات لكن لا بحيث يشمل الأفراد المذكورة . وتارة بأنّ حقيقة الغناء مرجوعة إلى العرف وأهل العرف لا يسمّون أمثال ذلك غناء . وتارة بأنّ حقيقة الغناء مجهولة ولم يثبت أنّ هذه الأشياء غناء والأصل في الأشياء الإباحة إلى أن يثبت خلافه . فنقول في جوابهم : إنّ معرفة الألفاظ العربيّة والاطَّلاع على مدلولاتها والخبرة بمعانيها ممّا لا سبيل للعجمي إليها إلَّا بأخذه من العرب والفصحاء وأهل اللسان منهم المتصفّحين الباحثين عن ألفاظهم ومواضع استعمالات كلماتهم فليس للعجميّ أن يجازف ويقول : هذا اللَّفظ العربي في عرف العرب أو في لغتهم كذلك أوليس كذلك إلَّا بشاهد من تصريح أهل اللسان به كعلماء الأدب والعربيّة والفقهاء العارفين بعرفهم ولغتهم واستعمالاتهم ، أو يستخرج ذلك من موارد استعمالات الألفاظ العربيّة كالقرآن والحديث وأشعار البلغاء