وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرّنكم حتّى تنظروا أمع هواه يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه ، و كيف محبّته للرئاسات الباطلة و زهده فيها ؛ فإنّ في الناس من خسر الدنيا و الآخرة ، يترك الدنيا للدنيا ، و يرى أنّ لذّة الرئاسة الباطلة أفضل من لذّة الأموال و النعم المباحة المحلَّلة ، فترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة حتّى * ( إِذا قِيلَ لَه ُ اتَّقِ ا للهَ أَخَذَتْه ُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُه ُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) * [1] فهو يخبط خبط عشواء ، يقوده أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة ، و يمدّه ربّه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحلّ ما حرّم اللَّه و يحرّم ما أحلّ اللَّه ، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي من أجلها ، فأولئك الَّذين غضب اللَّه عليهم و لعنهم و أعدّ لهم عذابا مهينا [2] و لكن الرجل كلّ الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر اللَّه ، و قواه مبذولة في رضا اللَّه ، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل ، و يعلم أنّ قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد و لا تنفد ، و أنّ كثير ما يلحقه من سرّائها إن أتبع هواه يؤدّيه إلى عذاب لا انقطاع له و لا يزول . فذلكم الرجل نعم الرجل فبه تمسّكوا ، و بسنّته فاقتدوا ، و إلى ربّكم به فتوسّلوا ؛ فإنّه لا تردّ له دعوة ، و لا تخيّب له طلبة . [3] و قد روي عنهم عليهم السّلام الأمر بمخالفة العامّة في الجمع بين الأحاديث
[1] البقرة ( 2 ) : 206 . [2] اقتباس من الآية 6 من سورة الفتح ( 48 ) . [3] الاحتجاج ، ج 2 ، ص 52 - 53 .