الأمر باجتنابه ، بل دلّ القرآن على ذلك في قوله : * ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) * [1] كما تقدّم تفسيره . فكلّ مكلَّف مأمور باجتناب طبيعة الغناء . و انتفاؤها إنّما يتحقّق بانتفاء جميع الأفراد ، و ذلك موقوف على اجتناب جميع الأفراد المشكوكة على تقدير الشكّ ، فلا يحصل الامتثال بدونه . فظهر بطلان التمسّك بالأصل في استحلال بعض الأفراد ، و لا يلزم من ذلك حرج و لا ضيق - كما قد يظنّ - فضلا عن تكليف ما لا يطاق ؛ لأنّ الأفراد المشكوكة محصورة قليلة ، كما لا يخفى . إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ من نظر بالفكر الصائب و اعتبر بالفهم الثاقب علم أنّ أصل كلّ بدعة و ضلالة الاعتماد على كلام غير أهل العصمة [2] ، و أنّ سبب كلّ شكّ و شبهة حسن الظنّ بأعدائهم و قبول كلامهم و مطالعة كتبهم . و ما زال الأئمّة عليهم السّلام ينهون الشيعة عن ذلك ، و يحذّرونهم من سلوك تلك المسالك ، فغفل عن تلك المناهي بعض الشيعة و صاروا ينظرون في بعض تلك الكتب لغرض صحيح من تحقيق لغة أو أخذ موعظة و نحوهما ، فانجرّ الأمر إلى الوقوع في هذه الورطة ، بل فيما هو أعظم منها . و لا بأس بذكر بعض ما ورد في ذلك و ما يناسبه ممّا له مدخل في المقصود : روى الكليني بإسناده قال ، قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله و سلَّم : « إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللَّه » . [3] أقول : في هذا دلالة على وجوب الردّ على أهل البدع و إبطال شبهتهم و إن كان لا يرجى منهم الرجوع عنها ، بل لئلَّا يتّبعهم ضعفاء المؤمنين . و فيه دلالة على
[1] الحجّ ( 22 ) : 30 . [2] في المخطوطة : « غير كلام أهل العصمة » . [3] الكافي ، ج 1 ، ص 54 ، باب البدع و الرأي و المقاييس ، ح 2 .