الجاري أو يكون راجعاً إلى جهة الاستقذار ، لزوالها بالجريان بخلاف الراكد فإنّها تبقى فيه فيتنفر عنه الطباع . وبالجملة العمل على المعلّل المثبت للكراهة في الجاري أيضاً متعيّن فالقول بنفي الكراهة في الجاري كما نقل عن بعض القدماء لا وجه له بعد ما ذكرناه ، كما أنّ ما عن الهداية والمقنعة من " أنّه لا يجوز في الراكد " محمول على شدّة الكراهة ، لما أشرنا اليه من تعارف هذا التعبير في مثله عندهم ، ولعدم وفاء أخبار الباب بإثبات الحرمة . وفي الليل أشدّ كراهة لما قيل : " إنّ الماء في الليل للجنّ فلا يبال فيه ولا يغتسل حذراً من إصابة آفة " . كما أنّ مقتضى فحاوى تلك العلل من أذية أهل الماء ، ومن ايراثه النسيان وذهاب العقل والحصر ، وإصابة البلاء والآفة هو القول بكراهة التغوّط فيه أيضاً ، ولعلّ هذا هو وجه الحاقهم إيّاه به في الحكم . قوله ( قدس سره ) : ( والأكل والشرب ما دام جالساً للتخلّي ) لمرسل الفقيه المنجبر بالشهرة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : دخل ( عليه السلام ) الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فغسلها ودفعها إلى مملوك معه ، فقال ( عليه السلام ) : يكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلمّا خرج ( عليه السلام ) قال للمملوك أين اللقمة ؟ فقال : أكلتها يا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال ( عليه السلام ) : ما استقرّت في جوف أحد إلاّ وجبت له الجنّة ، فأنت حرّ ، وأنا أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنة " [1] وعن العيون رواية هذه القصة بثلاثة أسانيد عن الرضا ( عليه السلام ) عن آبائه ، عن الحسين بن علي ( عليه السلام ) [2] . وتقريب الدلالة فيهما واضحة من تأخيره ( عليه السلام ) الأكل الحاوي لتلك المثوبة العظيمة إلى خروجه عن الخلاء ، فيدلّ على كمال الكراهة وإلاّ لما كان يؤخّره ( عليه السلام ) ، بل كان يسرع إليه كما هو عادتهم من استباقهم إلى الخيرات والمثوبات ، واختصاصه بالخبز لا يوجب تخصيصاً ، فإنّه من التخصيص بالمورد
[1] من لا يحضره الفقيه 1 : 27 ، في أحكام التخلّي . [2] عيون أخبار الرضا 2 : 43 ، باب 31 ح 154 .