فصار الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه ، فقال ( عليه السلام ) : " إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّناً فلا [1] " ، التي حملها المشهور في مقابل الخلاف على ما إذا تحقّق إصابة الدم للإناء ، ولم يتحقّق إصابته للماء فإنّ في عدم جعله ( عليه السلام ) إيّاه من الشبهة المحصورة اللازمة الاجتناب إشارة إلى ما ذكرناه ، إذ لو فرض العلم تفصيلا بوقوعه في ظهر الاناء لا يصحّ أن يكلّف باجتنابه إلاّ مشروطاً بالابتلاء ، لأنّ قاصد التوضي من مائه غير مبتل في العرف والعادة بظهره فلا يتنجّز التكليف بالاجتناب عنه ، فيسلم الأصل في مائه عن المعارض . ومثله في سلامة الأصل ملاقي أحد طرفي الشبهة ، إذ لا أصل في قباله يعارضه ، والأصل في مصاحب ملاقيه مبتل بمثله من أصل صاحبه ، فلا يعارض به هذا الأصل ، ولا مجال لعدّه من أحد أطراف الشبهة ، لأنّه في طول الطرفين لا في عرضهما . وهذا معنى ما تقرّر في محلّه من كونه مرجعاً يرجع اليه عند سقوط الأصل السابق عليه عن الاعتبار بسبب عدم الجريان أو بسبب الابتلاء بالمعارض . نعم لو حصل في قباله ملاق للطرف الآخر يسقط أصله عن الاعتبار حينئذ ، لمعارضته بالأصل الجاري في ذلك الملاقي الآخر ، فمناط الجواز والمنع سلامة الأصل وجريانه في ما يراد استعماله . ومنه يعلم أنّه لو صبّ أحد الإناءين بعد تنجّز التكليف بهما بسبق العلم على الصبّ لا يجوز استعمال الباقي بتوهّم سلامة أصله حينئذ عن المعارض ، لأنّ الباقي لا يرفع عنه عنوان مقدميته الثابتة له قبل الصبّ لامتثال ذلك التكليف المنجّز ، فما دام ذلك التكليف لم يعلم رفعه يجب الخروج عن عهدته واجتناب هذا الباقي مقدمة للامتثال ، فيجب من تلك الجهة ، بل لو صبّ أحدهما بعد العلم وبقي ملاقي المصبوب مع الآخر كان أصلاهما من المتعارضين كنفس المشتبهين ، لأنّ الملاقي من مراتب وجود الملاقى المصبوب ، فكأنّه لم يصبّ بتمامه .
[1] الوسائل 1 : 112 ، الباب 8 من أبواب الماء المطلق ح 1 .