بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد ، وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، إلى قيام يوم الدين . وبعد ، فلا يخفى شرافة علم الفقه ومكانته السامية ، فإنّه العلم بأحكام الله تعالى و طلباته من العباد بما فيها من الواجبات والمحرّمات والمستحبّات والمكروهات . ولا ريب في أنّ هذه الأحكام إنّما شرّعت لأنّ الأفعال الواجبة والمستحبّة مشتملة على مصالح لازمة الاستيفاء أو مستحسنة ، ولأنّ الأعمال المحرّمة والمكروهة مشتملة على مفاسد لازمة التجنّب أو مستحسنة ، بحيث تكون رعاية هذه الأحكام في مقام العمل موجبةً لوقوع الإنسان في سبيل لا يُبتلى بمفسدة و لا تفوت عنه مصلحة في حياته الدنيويّة والأخرويّة . والمحرّمات والمكروهات مملوءة من مضارّ . والواجبات والمستحبّات عبارة أخرى عن مصالح واجبة الاستيفاء أو مستحسنة في حياة الإنسان ; ولعلّه لمثل ذلك قال الله تعالى : ( قَدْ جَآءَكُم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَبٌ مُّبِينٌ * يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاط مُّسْتَقِيم ) [1] ، فإنّه لا ريب في أنّ كتاب الله الكريم يدعو الناس إلى إطاعة الله ورسوله بسعة الطاعة لإتيان الواجبات والمستحبّات ولترك المحرّمات والمكروهات ، بل وإلى الأخلاق الإلهيّة الّتي قال فيها مخاطباً لرسوله العظيم : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم ) [2] .
[1] سورة المائدة : الآية 15 ، 16 . [2] سورة القلم : الآية 4 .