على الفعل ، ولم يحصل عنه إقلاع وإعراض عن توبة وندم أو غيرها ، بل إذا تعقّبه الفعل أو حال بينه وبين الفعل حائل قهريّ مع بقاء العزم واستقراره على الفعل ما أمكن ، فكما مرّ تفصيله . وذلك ما قام عندي عليه الدليل عقلًا ونقلًا . وأمّا الاستدلال على هذه الدعوى بثبوت العذاب على الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة ، والأمر باجتناب كثير من الظنّ ، وتحريم الحسد ، فليس فيه من الدلالة على المدّعى شيء بوجه ؛ إذ ليس شيء ممّا ذُكِر من باب نيّة الطاعة والمعصية ، وإنما هو من باب الأخلاق الذميمة والصفات الخبيثة والطبائع المؤوفة [1] المنحرفة عن الفطرة . والفرق بين النيّات والطبائع الناشئة عنها الأخلاقُ والصفات النفسانيّة الذميمة المعوجة ، ظاهر لا يخفى . وأما إرادة المكروه بالناس ؛ فإن كان بمعنى أنه يحب أن تقع المكاره بالناس والبلايا والضرر ، فهو من باب الأخلاق والطبائع الخبيثة الذميمة المحرّمة ، وإن كان بمعنى أنه يُريد أن يفعل الضرر بالناس هو ، فهو من باب النيّات . ولا ريب أن نيّة المعصية حرام ، فيجري فيها التفصيل السابق . وأمّا حمل الأخبار الدالَّة على عدم المؤاخذة على الهمّ فكلامٌ مجمل ، فإن الهمّ إن تحقق معه نيّة جرى فيه الكلام والتفصيل ، وإلَّا فلا ينبغي التوقّف في أنه لا يترتّب عليه ثواب ولا عقاب ، فإنه لا يخرج حينئذٍ عن مجرّد التصوّر أو التردّد في أنه يعزم أو لا يعزم ، وكلاهما خارج عن البحث ، وحكمه يُعلم ممّا تقدّم . ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( والمنكرون أجابوا عن الآيتين بأنهما مخصّصتان بإظهار الفاحشة والمظنون كما هو الظاهر من سياقهما ) [1] . أقول : إظهار الفاحشة لا يخرج عن الغيبة أو البهت ، وكلاهما خارج عن منطوق الآية ، فإن الفرق بينهما وبين المحبّة ظاهر لا يخفى ، فلا تخصّص به . وأمّا إظهار
[1] المؤوف : الذي أصابته آفة . لسان العرب 1 : 263 أوف . [1] شرح أُصول الكافي 10 : 144 145 .