بهم ، وحملوا الأحاديث الدالَّة على عدم المؤاخذة على الهمّ ) [1] . أقول : الظاهر أن هذا هو مقصود الخبر المقصود وأمثاله ، ومراده رحمه الله : توطين النفس على فعل الطاعة وترك المعصية ، وهما من أقسام الطاعة ، أو على فعل المعصية وترك الطاعة وهما من أقسام المعصية . ولكنّ توطين النفس على ترك المعصية ليس من باب النيّة في شيء ، وإنما هو من الأخلاق المَرضيّة ، والصفات الحميدة الناشئة من ارتياض النفس بالعقائد الحقّة المقرونة بالعلم والعمل . وكذلك توطين النفس على ترك الطاعة ليس من باب النيّة في شيء ، وإنما هو من باب الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة الناشئة من الجهل وعبادة الهوى وإن تفاوتا شدّةً وضعفاً . فيكون مقصود الخبر وأمثاله إنما هو توطين النفس على فعل الطاعة ، أو فعل المعصية ؛ لأنه الذي يتحقّق معه نيّةُ ومنويّ ( يفعل ) أو ( لا يفعل ) . ولا يظهر في توطين النفس على الترك نيّةُ ومنويّ يغايرها كذلك ؛ لأنه عدمٌ وسكون ، والنيّة أمر وجوديّ وحركة نفسانيّة وعمل غيبيّ محدث بنفسه ، فلا يحتاج في وجوده إلى نيّة أُخرى وإلَّا لم يوجد عمل ؛ لما يلزمه من الدور أو التسلسل . وإنما هي مشيئة مستقرّة متأكَّدة ، وهي المعبّر عنها بالإرادة . وتوطين النفس على الترك إنما هو إقبال على الحقّ ، أو إدبار عنه . وما عزاه لكثير من الأصحاب لظاهر هذه الأخبار يدلّ على أنهم إنما فهموا من الأخبار إرادة النيّة التي فسّروها بتوطين النفس ، يعنون بها : المشيئة المتأكَّدة المسمّاة بالإرادة ، ولكنّه ليس على إطلاقه بل الحقّ ما فصّلناه . وكذلك ما عزاه لأكثر العامّة والمتكلَّمين والمحدّثين ليس على إطلاقه ، وإنما الحقّ ما فصّلناه . فإطلاق القولين ممنوع ؛ لما عرفت . وأمّا إنه حينئذٍ إنما يُؤاخذ بسيّئةِ العزم لا بسيّئة المعزوم عليه ؛ لأنها لم تُفعل ، فحقّ ؛ لأن الله لا يُؤاخذ العبد بما لم يعمل ؛ لعدله وسعة رحمته ، لكن إذا استقرّ العزم