فإذن لمّا لا نجد محيدا عن الالتزام باختلاف الحكم بدخول الشّهر في النّصف الفوقاني والنّصف التّحتاني ولا مناصا من أخذ اللَّيل والنّهار بما هما متعارفان عند العرف واللَّغة ، بهذه الموازاة نحكم باختلاف دخول الشّهر في الآفاق غير المشتركة حرفا بحرف . هذا مضافا إلى أنّ بناء الحجّة على هذا المنهج ، بجعل ليلة الرؤية أربع وعشرين ساعة ، وبتتابع اللَّيالي والأيّام يتمّ ثلاثين أو تسعة وعشرين ، فيكمل شهر واحد ، وتتبعه شهور كذلك حتّى يتمّ اثنا عشر شهرا وبجعل بناء المشهور أربعة وعشرين شهرا على أقلّ تقدير ، ينزّل الاستدلال عن درجة البرهان المؤلَّفة مقدّماته من الأوّليّات والمشاهدات والفطريّات والتجربيّات والمتواترات والحدسيّات ويسقطه إلى حدّ الشّعر . مع أنّا لم نفهم معنى محصّلا لقولك : على أقلّ تقدير . فهل يمكن اختلاف الشّهر بأزيد من ليلتين حتّى يكون أقلّ تقديره يرسم لنا أربعة وعشرين شهرا ؟ هذا كلَّه جواب عمّا أوردته على نقودنا على دليلك الأوّل ، وهو تحقّق الشّهر بنفس خروج القمر عن تحت الشّعاع . وأمّا ما أفدت من تضعيف حكومة البيّنة على أخبار الرّؤية ، على تقدير كون الرؤية جزئا للموضوع على وجه الصّفتيّة ، بأنّ الرؤية كاشفة محضة ، جعلها الشّارع طريقا إلى تحقّق الشهر لأتميّتها وأسهليّتها وأعميّتها ، وليس لها دخل في تحقّق الشّهر ، وبذلك حاولت منع انصراف الإطلاقات الواردة بوجوب قضاء الصّوم إلى البلاد القريبة ، بإسقاط مدخليّة الرّؤية ، وما ذكرت من أدلَّة وشواهد على كاشفيّة الرؤية المحضة وطريقيّتها الصّرفة ، فيرد عليه وجوه من الإيراد . توضيح ذلك : أنّ المراد من الجزئيّة ، مدخليّة الرّؤية في تحقّق الشّهر ، المستفادة من النّصوص المعتبرة الكثيرة المستفيضة لعلَّها تبلغ حدّ التواتر . وتدلَّنا على ذلك أمور : الأوّل : ظهور الأخبار الواردة في ذلك ، حيث إنّها أناطت الصّيام بشهر رمضان ، لا غير ، ثمّ إناطته برؤية هلاله ، لا غير . فعلى ضوء الشّكل الثّالث من القياس ، ينتج أنّ شهر رمضان يتحقّق برؤية هلاله ، وهكذا في سائر الشّهور . الثاني : لو كان تحقّق الشّهر بنفس خروج القمر عن تحت الشّعاع ، أو كونه فوق الأفق ، بلا مدخليّة للرّؤية ، لكانت الأحكام الواردة على دخول الشّهر