أيضا تابعة لخروجه عن تحت الشعاع أو كونه فوق الأفق ، بلا مدخليّة للرؤية . فكانت الرّؤية حينئذ دخيلا في تنجيز الحكم ، لا في جعله وتحقّقه . فإذن تكون الرّؤية كاشفة محضة وطريقا صرفا ، لا بدّ وأن تخلفها سائر الطرق اليقينيّة وتقوم مقامها ، مثل المحاسبات الرّصديّة القطعيّة وما شابهها بلا إشكال . والالتزام بعدم مدخليّة الرّؤية ، ثمّ الالتزام بعدم نهوض بعض الطَّرق اليقينيّة ، مثل بعض هذه المحاسبات الصّادرة من أصحاب الرأي ، هو الالتزام بتحقّق المتناقضين كما لا يخفى . لأنّ مفاد عدم دخالة الرّؤية في موضوع الحكم ، هو تماميّة موضوعه في حاقّ الواقع مع قطع النّظر عن الرّؤية ، فالحكم يكون فعليّا تامّا بلا ترقّب شيء آخر . وتصير الرّؤية من شرائط تنجيزه وتعذيره ، كسائر الطَّرق الوجدانيّة والعقلائيّة بلا اختلاف بينهما . فلا بدّ وأن يلتزم بالحكم بدخول الشّهر إذا نصب الطَّريق القطعيّ ، من غير رؤية ما ولو في بعيد . فعندئذ إمّا يلتزم بهذا ويحكم بدخول الشّهر بلا رؤية في جميع العالم أصلا ، فواضح أنّ هذا مساوق لطرح الرّوايات المستفيضة ورفضها ، لا يكاد يسلَّمه من له أدنى ذوق فقهيّ فكيف يمكن الالتزام به مع إناطة الرّوايات بخصوص الرّؤية بلسان النّفي والإثبات ، مثل قول الصّادق عليه السّلام المرويّ في كلّ واحد في الكتب الأربعة ، وفي المقنعة للمفيد والهداية للصّدوق : إنّه ليس على أهل القبلة إلَّا الرّؤية ، وليس على المسلمين إلَّا الرّؤية . وما رواه في التّهذيب عن الحسين بن سعيد عن القاسم عن أبان عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللَّه قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن هلال شهر رمضان ، يغمّ علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال : لا تصم إلَّا أن تراه الحديث . وبسند آخر في التّهذيب أيضا عن الحسين عن فضالة عن أبان عن إسحاق بن عمّار عنه عليه السّلام مثله . وما في التّهذيب بإسناده عن أبى علىّ بن راشد عن أبى الحسن العسكري عليه السّلام في حديث قال : لا تصم إلَّا للرّؤية . وما في المقنعة بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : لا تصم إلَّا للرّؤية أو يشهد شاهدا عدل .