وبعد هذه المقدّمات نقول : إنّ إهلال الهلال كبزوغ الشّمس ظاهرة افقيّة لسكَّان الأرض بلا فرق بينهما أصلا . وما أفدت من الفرق بينهما بأنّ بداية النّهار غير بداية الشّهر ، إذ الطَّلوع ظاهرة افقيّة يتجدّد للآفاق الواجهة للشّمس ، بخلاف إهلال الهلال ، فإنّه حادث سماويّ يحدث من ابتعاد القمر عن تحت الشّعاع ، حتّى ولو قدّر أن لم تكن الأرض بآفاقها ، وكان النّاظرون في الفضاء كما هم على الأرض يحجبهم كوكب عن الشّمس ، فيبدو عليهم اللَّيل ، يرون الهلال ، ثمّ ما أفدت من الفرق بين بداية الشّهر وبداية الحساب ، بأنّ الأوّل يتحقّق بخروج القمر عن تحت الشّعاع وبأنّ الثّاني يتحقّق من أوّل ليلة الرؤية مهما تحقّق الخروج ، يرد عليه ، أوّلا أنّ ما أفدت من الاختلاف بين مبدء تحقّق الشّهر وبين مبدء الحساب ، هو خلاف ظاهر تحرير الكلام في رسالة المنهج . وسنبيّن أنّ النّقود الواردة في موسوعتنا كما أنّها واردة على نفس تحقّق الخروج ، واردة على مبدء تحقّق الحساب ، بلا فرق بينهما . وثانيا أنّ إهلال الهلال له معنى ، وصيرورة القمر هلالا لها معنى آخر . وذلك لأنّ الإهلال بمعنى الظَّهور والاشتهار ، فالقمر بمجرّد خروجه عن تحت الشعاع يصير هلالا بالنّسبة إلى الامتدادات الأرضيّة ، وأمّا الإهلال فلا يكون إلَّا بعد الرؤية ، فيختلف بالنّسبة إلى بقاع الأرض ، فيقال أهلّ الهلال لافق من الأرض كإسبانيا ولم يهلّ لافق آخر كطهران . وما ورد في الرّوايات ممّا هو دخيل في تحقّق الشّهر هو الإهلال ، كما أنّ ما هو دخيل في تحقّقه حسب ما هو المتعارف بين الملل والأقوام كذلك ، لأنفس الخروج عن تحت الشّعاع ، فأين هذا من ذاك . وثالثا : أنّ نفس تحقّق الهلال ، بابتعاد القمر عن تحت الشّعاع عدّة درجات ، إنّما هي بالنّسبة إلى خصوص الأرض وسكَّانها وكلّ ما امتدّ من الأرض بخطَّ مستقيم في الفضاء إلى نفس القمر . وأمّا في سائر نقاط الفضاء بحيث يكون فيها ناظرون يحجبهم كوكب عن الشمس فليس كذلك ، لأنّهم لا يرون القمر هلالا أبدا بل يرونه بشكل البدر أو ما هو قريب منه دائما وذلك لأنّ الكرات الثّوابت والسّيارات كانت محلَّها أقرب