كلامهم أن يعتمدوا في ذلك على ما بيّن في العلوم الفلكيّة والهندسيّة ، وما شابههما من العلوم الطبيعيّة والرّياضيّة ، إلَّا قليلا . وأمّا نحن فقد باحثنا في المقام على أساس كلّ واحدة من العلوم الطبيعيّة والشّرعيّة مستقلَّا . فما أفاد المجيب - حفظه الله - من أنّ بحوثنا من الأدلَّة والرّوايات من النّاحية الشّرعيّة ، وقعت على ضوء بحوثنا العلميّة فيما هو مرتبط بالموضوع من القضايا الفلكيّة ، غير تامّ . ثمّ إنّ الظَّاهر منه تماميّة بحوثنا العلميّة فيما هو مرتبط بالمقام ، والاعتراف بها جملة ، بخلاف الأدلَّة الشّرعيّة ، فلم يعترف بها كلّ الاعتراف . وفيه ما لا يخفى ، لأنّه كيف يمكن أن يخالف الدّليل الشّرعيّ ما هو مسلَّم من العلوم العقليّة أو الطبيعيّة المنتهية إلى الأوّليّات والمسلَّمات والوجدانيّات وغيرها ، ممّا يكون مأخذا للبرهان ؟ وكيف يمكن التعبّد بما هو غير صحيح عند العقل أو الوجدان ؟ مع أنّ التّشريع منطبق على التكوين ، وحاشا لمذهب الإسلام ، مع ارتفاع بنيانه ، أن تكون قاعدة من قواعده ، على خلاف العقل الصّريح ، أو مخالفا لواقعيّة خارجيّة ، أو يكون أسّ من أسسه مبنيّا على التّخيّل والتّوهّم ، خلاف المنطق الصّحيح واقعا على شفا جرف هار ، مع ندائه الصّريح بالقول الفصل الَّذي ليس بالهزل : * ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) * . [1] التنبيه الثاني ، إنّ ما أوردناه في الموسوعة الأولى ، ثمّ في هاتين الموسوعتين ، ليس حماية لمذهب المشهور صرفا . وليس على مبنى الخوف من استيجاب مزيد من الأوهام ، واضطراب العوام ، وكثرة الشّجار والقيل والقال كما أفيد ، لأنّه لا يعبأ بهذه التّمويهات . * ( قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) * . [2] وليس على أساس الخطابة والنّصح المجرّد ، للجهات الخارجيّة ، لملاحظة
[1] سورة 30 الرّوم الآية 30 . [2] سورة 6 الانعام الآية 91 .