والشّهر القمريّ الوسطى ، والشّهر القمريّ الهلاليّ الفلكيّ . فما ترى في التقاويم المدوّنة ، المستنتجة من الزيجات المستخرجة من الأرصاد ، من تعيين الشّهور ، ومباديها وخواتيمها إنّما هي الشّهور الهلاليّة النجوميّة ، لا عبرة بها عند الشارع . فالعبرة بتحقّق الرّؤية الخارجيّة الفعليّة ، وبها يصير الشّهر هلاليّا شرعيّا ، تدور عليه الأحكام . وأمّا النقطة الثانية ، فنقول : قد برهنا في الموسوعة الاولى على أنّ القمر في مبادي الشّهور بعد خروجه عن المقارنة ، وهي المحاق ، لا بدّ وأن يسير في مداره إلى حدّ يصير قطره المنوّر الهلاليّ قابلا للرّؤية وهذه المدّة تسمّى تحت الشّعاع . فإذا خرج عن هذا الحدّ يصير قابلا للرّؤية ، لأنّ المانع منها ليس إلَّا محق نوره تحت احتجابه عن الشّمس فبخروجه يرتفع المانع ، فيراه كلّ أحد بعين مجرّدة عادية في أوّل مبدء اللَّيل . ومسيره هذا في المدار لا يقلّ من اثنتي عشرة درجة من المقارنة ، يطول أربع وعشرين ساعة على أقلّ تقدير وهو نصف مجموع حالة المحاق وتحت الشعاع كلَّا وهي أربع وعشرون درجة ، البالغ زمان مكثه ، ثماني وأربعين ساعة . فمدّة زمان الخروج عن الشّعاع هي عين زمان سيره في المدار عن المقارنة وما في حكمها في محق نوره . ولا يحتاج بعد إلى سيره وبلوغه في الأفق مرتبة يمكن للعين المجرّدة رؤيته ، وهذا واضح لمن له ادنى خبرة بعلم النّجوم . فالقمر بمجرّد خروجه عن الشّعاع يكون قابلا للرّؤية في نقطة ما ، وهي أقرب أفق من الآفاق الأرضيّة بالنسبة إليه في مغرب الشّمس ، وقبله لا يكون قابلا لها ولو بالآلات والأجهزة . لأنّ الآلات لا تقدر على إراءة الهلال حال كونه تحت الشّعاع ، بإراءة القطر المنوّر الدّقيق جدّا ، ولا على إراءة الهلال الواقع تحت الأفق . بل إنّما تقدر على رفع حجاب الغيم والأغبرة الدّخانيّة والمائيّة وما شابهها . فالمحاسبات الفلكيّة لتعيين زمان رؤية القمر عند خروجه عن الشّعاع ليس إلَّا لتعيين زمان ظهور الهلال ، وتكوّنه وبلوغه مرتبة قابلة للرؤية للعين المجرّدة . وقد تبيّن بما ذكرناه أنّ كلّ ما أفيد في هذه النقطة ممّا لا طائل تحته .