وثالثا ما ورد في كثير من الرّوايات إنكار أصحاب الرّأي ، وهم أصحاب العدد والجداول ، من الفلكيّين والمنجّمين ، والردّ الشّديد عليهم . وما ربما يمكن أن يقال إنّ الردّ عليهم إنّما هو لعدم وصول نتيجة محاسباتهم الرّصديّة إلى درجة اليقين مدفوع أوّلا : بأنّ عنوان الرّأي ورد في بعض الرّوايات قسيما للتّظنّى ، حيث قال عليه السّلام : وليس بالرّأي ولا بالتّظنّي ، ولكن بالرّؤية . وثانيا إنّ المحاسبات الرّصديّة المدوّنة في الزّيجات مفيدة للقطع لأصحاب الرّصد ، لكونها قواعد مضبوطة على أساس علم الحساب ، مبرهنة ببراهين هندسيّة ، منتهية إلى الحسّ والوجدان ويحصل القطع لغيرهم إذا عرفهم بالمهارة في فنونهم والوثاقة في أنفسهم . وثالثا إنّ مفاد هذه الرّوايات إطلاق عدم جواز التّعويل على أقوالهم ولو مع اليقين الحاصل . إن قلت : لعلَّهم عليهم السّلام إنّما سدّوا هذا الطَّريق على الإطلاق ، وحصروه في طريقيّه الرّؤية ، لئلَّا يقع الخلاف ، ولا يشتبه الأمر . قلت : نعم ولكن هذا عين الإقرار بانحصار طريقيّة الرّؤية المساوق للموضوعيّة . ثمّ إنّ كثيرا من الأصحاب ادّعوا الإجماع على انحصار طريقيّة الرّؤية ، وادّعوا خلافه خلاف المذهب وقد نقلنا سابقا ما ذكره الشيخ رضوان الله عليه في التّهذيب ، والآن ننقل ما ذكره الشّيخ الأجلّ القاضي ابن البرّاج في كتابه : شرح جمل العلم والعمل [1] ، لشيخه الأعظم : السّيّد المرتضى رضوان الله عليهما . قال : اعلم أنّ رؤية الهلال هي المعتبر ، والَّذي عليه يعتمد في الصّوم والفطر وأوائل الشّهر وذلك لم يخالف فيه أحد من المسلمين ، إلَّا قوم من أصحاب الحديث من جملة طائفتان ( كذا [2] ) فإنّهم عوّلوا في ذلك على العدد [3] وشذّوا عن الإجماع
[1] طبع هذا الكتاب في مطبعة جامعة مشهد ( مشهد الرّضا عليه السلام ) في سنة 1352 الهجريّة الشمسيّة وما نقلناه عنه انّما هو من ص 167 إلى ص 170 . [2] يعنى أنّ لفظ « طائفتان » ورد في النّسخ مرفوعا . [3] قال الشهيد الثاني في شرحه للَّمعة : والعدد وهو عدّ شعبان ناقصا ورمضان تامّا ابدا وبه فسّره في الدّروس ويطلق على عدّ خمسة من هلال الماضي وجعل الخامس أوّل الحاضر وعلى عدّ شهر تامّا وآخر ناقصا مطلقا وعلى عدّ تسعة وخمسين من هلال رجب وعلى عدّ كلّ شهر ثلاثين والكلّ لا عبرة به نعم اعتبره بالمعنى الثاني جماعة منهم المصنّف في الدروس مع غمّة الشهور وكلَّها مقيّدا بعدّ ستّة في الكبيسة وهو موافق للعادة وبه روايات ولا بأس به ، امّا لو غمّ شهر وشهران خاصّة فعدّهما ثلاثين أقويّ وفيما زاد نظر من تعارض الأصل والظاهر ، وظاهر الأصول ترجيح الأصل - انتهى ( منه عفى عنه ) .