سلمان الفارسيّ في أشراط الساعة ، المرويّ عن تفسير القمّيّ ، ونظائره [1] ، فتوهّم أنّ الرّؤية الحسّيّة أيضا كذلك ، وهذا توهّم باطل ، ولكلّ منها حكم غير ما للآخر ، هذا على العموم . وأمّا في المقام يضاف إلى ذلك أوّلا كثرة الرّوايات الَّتي دلَّت على دخالة الرّؤية من الفريقين عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ، وكذلك تواتر الرّوايات الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام الصّريحة في دخالتها ، فقد ذكر بعض الأعلام من المشايخ أنّها أكثر من أن تعدّ وتحصى ، وقد فهموا منها مدخليّة الرّؤية بلا نكير ، وهم من أهل اللَّسان ، العارفون بأساليب الكلام ، وذكر في بعضها دخالة الرّؤية وحصرها في ثبوت الهلال بلسان النّفي والإثبات ، مثل قوله عليه السّلام : لا تصم إلَّا أن تراه ، وقوله عليه السّلام : لا تصم إلَّا للرّؤية ، وأدلّ منهما قوله عليه السّلام : إنّه ليس على أهل القبلة إلَّا الرّؤية وليس على المسلمين إلَّا الرّؤية . فهب أيّها المجيب أنّ الشّارع يريد مدخليّة الرّؤية بنحو الموضوعيّة ، لا الكاشفيّة المحضة ، في مقام الثّبوت ، فهل يتصوّر جملة بليغة ، أو كلام بليغ ، أبلغ من هذا الَّذي أفاده ، في مقام الكشف عمّا أراده ، في مقام الإثبات ، فقل لنا ساعدك الله : بأيّ كلام يفهمنا ، وبأيّ عبارة ينبّهنا ؟ والعجب كلّ العجب أنّه اعترف في آخر كلامه ، بأنّ المستفاد من روايات الصّوم الأوّليّة ، هو دخالة الرّؤية بمعنى إناطة الحكم بإمكانيّة الرّؤية . ومع هذا كان ينكر موضوعيّتها بادّعاء قرينة عامّة وقرائن خاصّة على الكاشفيّة . مع أنّ كلتا الدّعويين : دعوى وجود القرينة العامّة ، ودعوى وجود قرائن خاصّة ، معلولتان . وثانيا ما هو المشاهد في جميعها أنّهم عليهم السّلام سدّوا جميع الطَّرق المتصوّرة لثبوت الهلال ، مثل أماريّة غيبوبة الهلال بعد الشّفق ، وتطوّقه ، ورؤية ظلّ الرأس فيه ، وخفائه من المشرق غدوة على دخول الشّهر في اللَّيلة الماضية ، مع أنّ في بعض منها خصوصا إذا أيّدت بالرّصد أماريّة على ثبوت الهلال . لكن الأصحاب فقد رفضوها ، وحملوها على التقيّة ، حيث إنّ العامّة جعلوها أمارات عليه . وليس هذا إلَّا ممّا فهموه من بناء الشّريعة على انحصار أماريّة الرّؤية .
[1] رواه العلَّامة الطَّباطبائي مدّ ظله السّامي في تفسير الميزان في المجلد الخامس في ص 432 إلى ص 435 في ضمن بحثه المختلط من القرآن والحديث المبدوّ من ص 428 .