هو بمعنى الوضوح والانجلاء في الغاية ، وفيه خصوصية زائدة عن معنى العلم ، وبها يمكن أن يلحظ النظر . ذكر ابن الأثير في النّهاية في معنى قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : إنّ من البيان لسحرا : البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ ، وهو من الفهم وذكاء القلب ، وأصله الكشف والظَّهور ، وقيل معناه : إنّ الرجل يكون عليه الحقّ ، وهو أقوم بحجّته من خصمه ، فيقلب الحقّ ببيانه إلى نفسه لأنّ معنى السّحر قلب الشّيء في عين الإنسان ، وليس بقلب الأعيان ، ألا ترى أنّ البليغ يمدح إنسانا حتّى يصرف قلوب السّامعين إلى حبّه ، ثمّ يذمّه حتّى يصرفها إلى بغضه - انتهى . وفي مجمع البحرين : وفي الحديث : إنّ الله نصر النّبيّين بالبيان ، أى بالمعجزة ، وبأن ألهمهم وأوحى إليهم بمقدّمات واضحة الدّلائل على المدّعى عند الخصم ، مؤثّرة في قلبه . وفيه أيضا : أنزل الله في القرآن تبيان كلّ شيء ، أي كشفه وإيضاحه إلى أن قال : وتبيّن الشّيء لي ، إذا ظهر عندي وزال خفاه عنّى - انتهى . وكم من مورد وردت في القرآن الكريم من هذا الأصل اشتقاقات ، مثل تبيّن وبيّن وبيّنة وبيّنات ومبيّنة ومبيّنات ومبين وبيان وتبيان ونظائرها ، وفي كلّ منها لوحظت خصوصيّة للإيضاح وكشف السّتر بنحو أتمّ وأكمل . ومحصّل الكلام أنّ التّبيّن ليس مرادفا للفظ العلم بوجه ، والقرينة العامّة المدّعاة في استعمال لفظ العلم بعنوان الطريقيّة في موضوع الأحكام في الآجال غير موجودة فيه . وأنكر من هذا ادّعاء وجود قرينة عامّة في استعمال لفظ الرّؤية بعنوان الكاشفيّة المحضة في موضوع الأحكام ، ودعوى تحقّقها مردودة على مدّعيها . لأنّ للرّؤية بمعنى الإبصار الحسّي خصوصيّة ليست في غيرها من طرق الانكشاف ، فإذا وردت في موضوع دليل عرفيّ أو شرعيّ ، ظاهره دخالة هذه الخصوصيّة في استجلاب الحكم ، فلا بدّ من الأخذ بها وجعلها قيدا يدور الحكم معها وجودا وعدما ، إلَّا إذا دلَّت قرينة خاصّة على عدم دخالتها فيه . ولعلّ المدّعى نظر إلى القرائن الخاصّة في موارد شخصيّة ، ثمّ توهّم منها كثرتها إلى حدّ يصرف الكلام عن ظهوره في التّقييد ، أو نظر إلى الرّؤية الَّتي هي من أفعال القلوب ، وهي بمعنى العلم مثل ما ورد في حديث رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مع