إسم الكتاب : رسالة حول مسألة رؤية الهلال ( عدد الصفحات : 176)
والشاهد عليه في المحاورات العرفيّة كثير ، وكذلك في المسائل الفقهيّة . أمّا عنوان التبيّن ليس بهذه المثابة ، فضلا عن الرؤية . لأنّ التبيّن ليس مطلق الانكشاف ، بل الانكشاف الخاصّ ، وهو وضوح جميع نواحي المعلوم ، وارتفاع الغيم والحجاب عن أطرافه ، وانجلائه من كلّ جهة ، ومن كلّ ناحية ، من المقدّمات والمقارنات والغايات . وكثيرا ما يكون التّثبّت في الموضوع والتّأنّي فيه دخيلا في الحكم ، ولو مع حصول العلم قبلا ، من المشاهدة والسّماع وغيرهما ، ممّا يوجب الاطمئنان بدوا ، ولكن بالتّروّي والتّثبّت والتّأنّي ربما يزول ، كما في قوله تعالى * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) * ، [1] ففي المجمع : أي إذا سافرتم وذهبتم للغز وفتبيّنوا ، أى اطلبوا بيان الأمر وثباته ، ولا تعجلوا فيه . وفي قوله تعالى * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) * ، [2] وهيهنا بمعنى التّحقيق والتّثبّت والفحص في الأطراف ، حتّى ينجلي جميع جوانب الأمر بكمال الوضوح . ولهذا فسّره في تاج العروس : بالتّثبّت في الأمر والتّأنّي فيه . والسّرّ في ذلك أنّ الذّهاب للغزو والدّفاع المستلزم للقتل والجرح وذهاب الأموال والأسر أمر مهمّ في الغاية ، لا يعتمد فيه على العلم الحاصل في بادى النّظر والاطمئنان المستفاد من القرائن البدويّة بل لا بدّ من التّحقيق الكافي والفحص الوافي ، وهذا معنى التّبيّن الوارد في موضوع الدّليل . وبهذا يعلم أنّ الاستناد بقول المنجّمين في تعيين طلوع الفجر ، والبناء على أقوالهم في الصّلوة والصّيام غير تامّ ، لأنّ الله تبارك وتعالى جعل الغاية في الأكل والشّرب في ليالي شهر رمضان ، تبيّن النّهار ووضوحه قبالا للَّيل ، فقال * ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) * [3] بحيث يتشخّص في امتداد الأفق مثل الخيط الأبيض من طلوع الصّباح ، ويتميّز عن ظلمة اللَّيل الممتدّة في السّماء إلى هذه النّاحية .
[1] سورة 4 نساء الآية 94 . [2] سورة 49 الحجرات الآية 6 . [3] سورة 2 البقرة الآية 187 .