إسم الكتاب : رسالة حول مسألة رؤية الهلال ( عدد الصفحات : 176)
سرّه - في كتابه : سبيل الرّشاد في شرح كتاب الصّوم من نجاة العباد ، حيث قال : ويؤيّده أنّ عدم اختلاف الشّهور في الأمصار ، لكون المدار على ذلك ، أنسب إلى الضّبط وعدم تشويش الحساب ، وأوفق للحكمة جدّا ، فيناسب أن يكون هو المعتبر عرفا وشرعا . أقول : وهو المتبادر إلى بعض الأذهان ، والمتسابق إلى الأفهام ، حيث إنّه كلام لطيف على أساس حلاوة الذّوق ورقّة الإحساس ، لكنّه خال عن السّداد . وقبل الخوض في المطلب لا بدّ من تمهيد مقدّمتين : الأولى : الأرض كرويّة ، وتدور حول نفسها دورا كاملا فيما يقرب من أربع وعشرين ساعة ويتحقّق بذلك نهار واحد وليلة واحدة في النّواحي المعمورة . جميع النّواحي الواجهة لضوء الشّمس المشتركة في الاستنارة تحسب نهارا واحدا ، كما أنّ جميع النّواحي المعاكسة لضوئها المشتركة في الظَّلمة الواقعة في الظَّلّ المخروطى تحسب ليلة واحدة ، ولمّا لم يكن لكرويّتها ميز وشاخص ، يتميّز ويتشخّص به بعض الأصقاع عن بعض ، في تعيين مشخّصات الأيّام واللَّيالي ، وحدودها من تقويم الأسابيع والشّهور وكرّ الأعوام والدّهور ، ما بقيت أرض مستنيرة وشمس منيرة . مثلا إذا سمّينا الناحية الواجهة للشّمس من الكرة الأرضيّة يوم الجمعة ، لم يتغيّر هذا اليوم إلى الأبد ولو تدور الأرض حول نفسها آلاف مرّة . وذلك لعدم تعيّن مبدء له بدئا ونهاية ، ولا يمكن أن نتصوّر قبله ولا بعده من خميس وسبت فكيف بسائر أيّام الأسبوع ، لعدم إمكان تصوّر القبليّة والبعديّة . وبهذه الموازاة لا يمكن لنا تقدير أيّام الشهور ، أىّ شهر كان ، شمسيّا أو قمريّا ، لعدم تمايز الأيّام بعضها عن بعض . وهذه المشكلة إنّما حدثت بعد كشف قارّة إمريكا ، والعلم بكرويّة الأرض ، وبعد مسافرة السّيّاح المعروف : مازلان بسفائنه حول الأرض في مدّة ثلاث سنين ، من إسبانيا إلى جهة المغرب حيث راكبي هذه السّفن كانوا يعدّون الأيّام بغاية الدّقّة ، وبعد مضىّ هذه المدّة والوصول إلى أوطانهم كانوا يعلمون أنّ اليوم يوم الثلاثاء ، فلمّا سألوا أهلها اتّفقوا جميعا على أنّ اليوم يوم الأربعاء . ولم يدروا أنّ هذا الاختلاف ، وهو يوم واحد نشأ من خلاف جهة مسيرهم لمسير