للرّؤية دخل فيه إلَّا بنحو الطَّريقيّة المحضة . فلو أريد الدّوران مدار الرؤية ، كان لا بدّ من الالتزام بأنّ الحكم الشّرعيّ بوجوب الصّوم قد أخذ في موضوعه ثبوت الشّهر والعلم به عن طريق الرّؤية مثلا . وهذا بنفسه بعيد عن مساق أدلَّة الصّوم الظَّاهرة في ترتيب الصّوم على نفس الشّهر على حدّ سائر الأحكام الشّرعيّة المترتّبة على الأهلَّة والشّهور . 2 - حمل الرّؤية على الطَّريقيّة المحضة ، لا يعنى أن يكون الميزان واقع خروج الهلال عن تحت الشّعاع أو المحاق كما أفيد ، بل هناك مطلب ثالث عرفيّ ومطابق أيضا مع ما هو المستفاد من أدلَّة الباب ، وهو أن يكون الشّهر عبارة عن بلوغ الهلال في الأفق مرتبة يمكن للعين المجرّدة رؤيته . وهذا غير أخذ الرّؤية أو العلم موضوعا ، بل الرّؤية ليست إلَّا طريقا إلى إحراز هذه المرتبة في تكوّن الهلال وظهوره في الأفق . ووجه عرفيّة هذا المطلب ومطابقته مع المرتكزات واضح ، حيث قلنا إنّ الشّهر بحسب المرتكزات العرفيّة أمر واقعيّ على حدّ الأمور الواقعيّة الأخرى التكوينيّة ، فلا - يناسب أن يكون للعلم والجهل دخل فيه . كما أنّ الخروج عن المحاق بحسب المقاييس الدّقيقة الَّتي لا تثبت إلَّا بالأجهزة والآلات أيضا ليس ميزانا لدخول الشّهر عند العرف ، لعدم ابتناء الأمور العرفيّة على المداقّة والحسابات الرّياضيّة أو الفلكيّة . فيتعيّن أن يكون الميزان عندهم ما ذكرناه من ظهور الهلال ، وتكوّنه وبلوغه مرتبة قابلة للرّؤية بالعين المجرّدة . ووجه مطابقة هذا المطلب مع الرّوايات أنّ عنوان الرّؤية الوارد فيها ، وإن كان على نحو الطريقيّة المحضة ، إلَّا أنّ ذا الطَّريق هو الهلال البالغ مرتبة قابلة للرّؤية بالعين المجرّدة ، لا مجرّد الخروج عن المحاق ولو لم يكن قابلا للرّؤية ، والحمل على الطَّريقيّة لا يقتضي أكثر من إلغاء موضوعيّة الرؤية ، لا المرتبة المفروضة في المرئيّ كما هو واضح . مضافا إلى أنّ هذا هو مقتضى حمل الدّليل على الميزان العرفيّ الارتكازيّ في كيفيّة تكوّن الشّهر الهلاليّ ، وقد عرفت أنّه يقتضي ذلك أيضا . ثمّ إنّكم إمّا تعتبرون الرّؤية الخارجيّة بالفعل ، أو تكتفون بالرؤية التّقديريّة أيضا ، بمعنى صدق القضيّة الشرطيّة القائلة : إنّه لو استهلّ النّاس ولم يكن حاجب كالغيم مثلا