ارتكاز عرفيّ أو متشرّعي يمنع عن انعقاد هذا الظَّهور ، ويقتضي حمل العنوان في لسان الدّليل على الطَّريقيّة والمعرّفيّة . ومن جملة موارد هذا الارتكاز بل من أوضح مصاديقه عرفا ما إذا ورد عنوان العلم أو الرّؤية أو التبيّن ونحو ذلك في موضوع حكم شرعيّ واقعيّ . فإنّ ارتكازيّة كون هذه العناوين لدى الإنسان هي الطَّريق في إثبات الواقع وكشفه ، ولا يمكن من دونها الوصول إلى الواقع المطلوب ، يوجب فهم العرف الملقى إليه الخطاب لهذه العناوين على أنّها مجرّد طرق في إثبات الواقع الَّذي هو موضوع الحكم الشرعيّ من دون دخالتها بنفسها فيه . وهذا الظَّهور العامّ لعلَّه من المسلَّمات الفقهيّة الَّتي لا تشكيك فيها . وما أكثر المسائل الَّتي ورد في لسان أدلَّتها عنوان العلم أو التبيّن ومع ذلك لم - يحتمل فقيه أن يكون ذلك دخيلا في الحكم الشرعيّ . هذا على العموم ، وفي المقام بالخصوص يضاف إلى ذلك ما ورد في ذيل روايات الباب ، من أنّ الصّوم بالرؤية لا بالتّظنّي والرّأي والاحتمال ، ممّا يدلّ على أنّ المقصود من الرّؤية إحراز الواقع بها ولزوم التثبّت فيه . وكذلك ما هو ثابت نصّا وفتوى من كفاية قيام البيّنة الَّتي هي تبيّن الواقع - كما يشعر به لفظها - على ذلك ، أو مضىّ ثلاثين يوما من شعبان ولو لم ير أحد الهلال . وكذلك ما ثبت من لزوم قضاء يوم الشّكّ الَّذي أفطر فيه ، لعدم طريق له إلى ثبوت الهلال ، فتبيّن بعد ذلك بالبيّنة أو الرؤية ليلة التّاسع والعشرين من صيامه وجود الشّهر يوم إفطاره . فإنّ هذه الأحكام جميعا وإن أمكن تخريجها على أساس الحكومة ونحوها كما أفيد ، إلَّا أنّه لا إشكال في أنّه خلاف ظاهر الأدلَّة ، بمعنى أنّ العرف يستفيد من مجموعها أنّ الرّؤية مجرّد طريق لإثبات الشّهر وليست مقوّمة له . والوجه في ذلك أنّ الحكومة والتّنزيل مؤنة زائدة لا بدّ في مقام استفادتها من دليل ، أن يكون ذلك الدّليل واضح الظَّهور في كونه بصدد التّنزيل والحكومة . ومجرّد معقوليّة الحكومة ثبوتا لا يشفع لاستفادتها إثباتا كما هو واضح . أضف إلى ذلك : أنّ عنوان الشّهر الَّذي أنيط به الحكم بوجوب الصّوم ، أمر عرفيّ ، وليس من مستحدثات الشّارع ، ومن الواضح أنّ الشهر عند العرف أمر واقعي ، وليس