وليس إلَّا من استنباطهم بناء الشّريعة على طريقيّة خصوص الرّؤية ، ليس غير ، وإلَّا فربما يكون بعض هذه الطَّرق خصوصا إذا يحاسب بالرّصد وتعيّن مقدار زمان مكث القمر فوق الأفق دليلا قطعيّا لخروج القمر عن تحت الشعاع أو كونه فوق الأفق في اللَّيلة الماضية . وكذلك إنّا نعلم أنّ أقلّ درجة مكث القمر تحت الشعاع قبل المقارنة وبعدها أربع [1] وعشرون درجة ويطول زمان مكثه ثماني وأربعين ساعة ، فلو رئي الهلال يوم الثّامن والعشرين ، لكان الشهر ثلاثينيّا بلا ترديد . مع أنّه لا يمكن الاعتماد بهذه الأمارة ، والحكم بعدم دخول الشّهر ليلة الثّلاثين ، بل لا بدّ من الاستهلال وبعدم الرؤية يحكم بعدم دخول الشّهر القادم . وأيضا إنّا نعلم دخوله ليلة الثلاثين ، برؤية الهلال في اللَّيلة القادمة ، مرتفعا عن الأفق بمقدار أزيد من غاية الارتفاع الممكن في اللَّيلة الاولى من الشّهر ، بجعل الرّصد وتعيين درجة زاوية ارتفاع القمر عن الأفق . وهذا دليل قطعيّ لوجود الهلال في اللَّيلة الماضية . ولكن لا يعبأ به ، لعدم الرؤية . وغير هذه من الفروع الَّتي لا يمكن أن يفتي الفقيه بطبقها بدون تحقّق الرّؤية . وهذا دليل على دخالة الرؤية في أصل الحكم ، لا كونها منجّزة وواسطة في الإثبات . وممّا يشهد على ما ذكرنا ، صحيحة حمّاد عن أبى عبد اللَّه عليه السّلام ، على ما رواه في الكافي والاستبصار : قال : إذا رأوا الهلال قبل الزّوال فهو للَّيلة الماضية ، وإذا رأوه بعد الزّوال فهو للَّيلة المستقبلة . وذلك لما ذكرنا في المقدّمة ، من استحالة رؤية الهلال بعد خروجه عن تحت الشّعاع قبل غروب الشّمس ، فرؤية الهلال قبل الزّوال أو بعده دليل على خروجه في اللَّيلة الماضية .
[1] يجب ان يفرّق بين قسمي خروج القمر عن الشّعاع ، أحدهما الأحكامىّ والآخر الهلاليّ وما حدّدنا في هذه الموسوعة والَّتي قبلها باثنتي عشرة درجة من المقارنة أو بأربع وعشرين درجة من أوّل دخوله في الشعاع إلى آخر خروجه عنه إنّما هو في الأحكامىّ وأمّا الهلاليّ فهو أقلّ من الأحكامىّ كثيرا ( منه عفى عنه )